خطب المسجد النبوي

Группа авторов d. Unknown
53

خطب المسجد النبوي

خطب المسجد النبوي

Издатель

موقع مكتبة المسجد النبوي الشريف http

Жанры

خطبة المسجد النبوي - ٢٢ ذو الحجة ١٤٣٢ - آيات الله في الحج - الشيخ عبد المحسن القاسم الخطبة الأولى إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى. أيها المسلمون: تفضَّل الله على خلقه بتنوُّع العبادات منها ما هو باطنٌ في القلب، ومنها ما هو ظاهرٌ على الجوارِح، وأركانُ الإسلام والإيمانُ مدارُها على ذلك، وقد عاد الحَجيجُ من بيت الله الحرام بعد أداء أفضل عبادةٍ بدنية. قال شيخ الإسلام ﵀: "واستعملَ النبيُّ ﷺ أبا بكرٍ على أول حجَّةٍ حُجَّت من مدينة النبي ﷺ، وعلمُ المناسك أدقُّ ما في العبادات، ولولا سعة علم أبي بكرٍ لم يستعمله النبي ﷺ أميرًا على الحجِّ في السنة التاسعة؛ ليُعلِّم الناسَ أحكامَ الحج؛ لأنه أفقهُ الصحابة". في الحج تظهرُ آياتٌ للخلق على صدق الرسل؛ فإبراهيم ﵇ يدعو ربَّه: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ [إبراهيم: ٣٧]، فوفدَ الحَجيجُ من كل فجٍّ عميقٍ وأدَّوا حجَّهم. قال ابن كثير ﵀: "فليس أحدٌ من أهل الإسلام إلا وهو يحِنُّ إلى رؤية الكعبة والطواف، والناسُ يقصِدونها من سائر الجهات والأقطار". والمُخلِصُ يستجيبُ الله دعوتَه ولو بعد مماته، وفي كل عامٍ يظهرُ أثرُ دعوة الخليل، فيستجيبُ المسلمون لدعوته، والوفاءُ من شِيَم الرجال، ونبيُّنا ﷺ صبرَ على الأذى والكُروب لتنعَمَ أمتُه بالهداية. قال لعائشة ﵂: «يا عائشة! لقد لقيتُ من قومكِ ما لقيتُ». والصحابة ﵃ هجَروا الأوطانَ وتغرَّبوا في البُلدان لحمل رسالة النبي ﷺ وتبليغها بعزمٍ وأمانة، ونشرِ الإسلام في الآفاق بالدعوة والقُدوة، وواجبٌ على المسلم أداءُ حقوق النبي ﷺ لما قدَّمه لهذا الدين؛ بمحبَّته ﵊ والتأسِّي به ونشر دعوته، والوفاء لصحابته ﵃ بمحبَّتهم والترضِّي عنهم والذبِّ عنهم. ومن أدَّى فريضَة الحجِّ أو غيرَها واجبٌ عليه الحِفاظُ عليها من الرياء بها أو المُباهاة أو المُفاخَرة، ومن أدخل في عبادته رياءً أو سُمعةً أو ابتغَى مدحَ الناس له لم تُقبَل منه عبادتُه، ولن يكون له منها سوى التعبِ والنَّصَب؛ قال ﵊: «إن الله لا يقبلُ من العمل إلا ما كان له خالِصًا وابتُغِي به وجهُه»؛ رواه أبو داود. ومن أخلصَ لله تقبَّل الله عمَلَه وضاعفَ أجرَه؛ قال - سبحانه -: وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة: ٢٦١]. قال ابن كثيرٍ ﵀: "أي: بحسب إخلاصه في عمله". والنعمُ تدومُ وتزيدُ بالشُّكر، ومن أدَّى عبادةً وحمِدَ الله عليها يسَّر الله له عبادةً بعدها لينالَ ثوابَها؛ قال ﷿: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد: ١٧]، ولذا شُرِع قول: الحمدُ لله، ثلاثًا وثلاثين مرةً دُبُر كل صلاةٍ مفروضة لشُكر الله على أداء تلك الصلاة. وأمارةُ قبول العمل الصالحِ الحسنةُ بعده؛ قال سعيد بن جُبَير ﵀: "من ثوابِ الحسنةِ الحسنةُ بعدها، ومن عقوبةِ السيئةِ السيئةُ بعدها". والمسلمُ إذا فرغَ من عبادةٍ أعقبَها بعبادةٍ أخرى؛ قال - سبحانه -: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ [الشرح: ٧]. قال ابن الجوزي ﵀: "أي: فادأَب في العمل". ولا تنقطعُ العبادةُ إلا بالموت؛ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: ٩٩]. وإذا عمِلَ المسلمُ عملًا صالحًا وأخلصَ فيه لله وجبَ عليه حِفظُه بالحَذَر من الوقوع في الشرك؛ إذ أنه يُحبِطُ الحسنات؛ قال - سبحانه -: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر: ٦٥]. قال ابن القيم ﵀: "إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا سلبَ رؤيةَ أعماله الحسنةِ من قلبه، وسلبَ الإخبارَ بها من لسانه، وشغَلَه برؤية ذنبه". وسؤالُ الله قبول العمل الصالح من صدق الإيمان؛ بنى إبراهيم ﵇ الكعبةَ ودعا ربَّه: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: ١٢٧]. والثباتُ على الدين من عزائمِ الأمور؛ ومن دعاء النبي ﷺ: «ثبِّت قلوبَنا على دينك»؛ رواه ابن ماجه. ومن لبَّى في حجِّه بالتوحيد وكبَّره في العيد وجبَ عليه الوفاءُ بوعده مع الله، وذلك بألا يدعو سواه، ولا يلجَأ إلى غيره، ولا يطوفَ بغير الكعبة؛ قال - سبحانه -: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [فاطر: ١٣]. ومن توجَّه إلى الله أعانَه؛ قال - جلَّ شأنُه -: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت: ٦٩]. وليس من شرط صحة الحجِّ زيارةُ المدينة النبوية؛ بل قصدُ مسجدها سنةٌ رغَّبَ فيها النبي ﷺ للحاجِّ وغيره بالصلاة فيه، فهو أحدُ المساجد الثلاثة التي لا تُشدُّ الرِّحالُ إلا إليها؛ قال ﵊: «لا تُشدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى»؛ متفق عليه. وصلاةٌ فيه عن ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجدَ الحرام. ومن وصلَ إلى المدينة وسلَّم على النبي ﷺ وعلى صاحبَيْه أبي بكرٍ وعمر ﵄، فمن المشروعِ له زيارةُ مسجد قُباء؛ قال ﵊: «من تطهَّر في بيته ثم صلَّى في مسجد قُباء كان له أجرُ عمرة»؛ رواه ابن ماجه. وتُشرعُ له زيارةُ مقبرة البَقيع وشُهداء أُحُد للدعاء لهم وللعِظَة والعِبرة بتذكُّر الآخرة. والميتُ لا يملِكُ لأحدٍ نفعًا ولا ضرًّا ولا يُتعلَّقُ به، وإنما يُدعَى له بالمغفرة والرِّضوان، ومن يُدعَى له لا يُدعَى مع الله؛ قال ﷿: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس: ١٠٦]. والمُوفَّق من اجتهَدَ في طاعة ربِّه وحفِظَ عملَه من البُطلان وسارَ على هديِ نبيِّه ﷺ، وحاسبَ نفسَه في حياته، وسارعَ إلى الخيرات، وفازَ بالباقيات الصالحات. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ [الأنفال: ٢٠]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا. أيها المسلمون: من أدَّى فريضةَ الحجِّ حريٌّ به بعد أداء هذا الركن أن يحفظَ صحيفتَه بيضاء نقيَّة؛ فإنه من حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَتْه أمُّه، وأن يكون قُدوةً لغيره في الصلاح والاستقامة والتفقُّه في الدين والمُحافظة على الصلوات جماعةً في بيوت الله. ويجبُ أن يكون داعيًا بالحكمة والموعظة الحسنة، مُبتدِئًا دعوتَه بذوِي القُربى، وصادقًا مع ربِّه في دعوته وفي سائر أعماله كلها. فالزَموا سنَّة نبيِّكم ﵊، وأخلِصوا لربِّكم، واحرِصوا على نفع إخوانكم المسلمين وتعليمهم ما ينفعهم وما يُصلِحُهم من أمور الدين؛ فلأَن يهدِي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حُمُر النَّعَم. ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا [الأحزاب: ٥٦]. اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجُودك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين. اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، واجمع كلمتَهم على الهُدى والحق يا رب العالمين. اللهم تقبَّل من الحُجَّاج حجَّهم، واجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، وذنبَهم مغفورًا، وعملَهم مُتقبَّلًا صالحًا يا ذا الجلال والإكرام. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: ٢٠١]. اللهم وفِّق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين [الأعراف:٢٣]. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: ٩٠]. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

1 / 53