خطب المسجد النبوي
خطب المسجد النبوي
Издатель
موقع مكتبة المسجد النبوي الشريف http
Жанры
خطبة المسجد النبوي - ١٥ ربيع أول ١٤٣٢ - أمانة الولاية وضوابطها - الشيخ حسين آل الشيخ
الخطبة الأولى
الحمد لله الحكيم العليم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله العظيم، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: ٧٠، ٧١].
إخوة الإسلام:
من الأصول العُظمى في هذا الدين: وجوب أداء الأمانة بشتَّى صورها، ومن القواعد الكُبرى تحريم الخيانة بمختلف أشكالها، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال: ٢٧].
ويقول ﷺ: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيَّته، والإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّته»؛ أخرجاه في "الصحيحين".
ومن هنا؛ فأعظم أسباب كوارث الأمة وفساد أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها: الإخلال بهذا الأصول العُظمى والقواعد الكُبرى، فكم وقع من المصائب في الأبدان والآلام في البلدان، والكوارث في المُقدَّرات بسبب تضييع الأمانة والوقوع في الخيانة.
وإن أعظم الأمانات أمانة الولاية بمختلف مستوياتها وتنوُّع مراتبها؛ من الولاية العُظمى إلى الولايات الصغرى، ولهذا جاء التشديد على أهمية الولاية والعناية العظيمة في الإسلام؛ عن أبي ذرٍّ ﵁ قال: قلتُ: يا رسول الله! ألا تستعمِلني؟ فضرب بيده على منكِبي، ثم قال: «يا أبا ذرٍّ إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خِزيٌ وندامة، إلا من أخذها بحقِّها، وأدَّى الذي عليه فيها»؛ أخرجه مسلم.
وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إنكم ستحرِصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة»؛ رواه البخاري.
ومن هذا المنطلَق أحاط الشرعُ العظيم جميعَ الولايات وكافة المناصب بسياجاتٍ من الأوامر والنواهي التي متى رُوعِيَت أُدِّيَت الأمانة على أكمل وجهها، وتحقَّقت بهذه الولاية المصالح المتنوعة، واندرأَت بها المفاسد المختلفة، فكانت العاقبة حميدةً، والسيرة طيبة، والنتائج مرضية، تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص: ٨٣].
إخوة الإسلام:
وإن من هذه السِّياجات: أن الإسلام أوجبَ على صاحب الولاية حاكمًا أو غيره العدلَ التام في جميع مسؤوليات ولايته، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء: ٥٨]، وقد مدح النبي ﷺ العادلَ في ولايته القائمَ بالقسط في منصبه؛ ففي السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظلُّه: «إمامٌ عادل»؛ أخرجه البخاري ومسلم.
وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ﵁ وعن أبيه - قال: قال رسول الله ﷺ: «إن المُقسِطين عند الله على منابِر من نور الذين يعدِلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا»؛ رواه مسلم.
ومن الأصول التي جاء بها الشرع في باب الولاية: التحذير من الظلم بشتَّى صوره؛ ففي الحديث القدسي - فيما يرويه ﷺ عن ربِّه أنه قال: «يا عبادي! إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا، فلا تَظَالَموا».
وفي توجيه النبي ﷺ لمعاذٍ حين بعَثَه إلى أهل اليمن: «واتَّقِ دعوةَ المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ»؛ متفق عليه.
ويُوجِّه الرسولُ ﷺ التحذيرَ لمن تولَّى للمسلمين عملًا حكَّامًا وغيرهم أن ينهَجوا أي صورةٍ من صور الظلم في ولايتهم، فيقول ﷺ: «إن الله ليُملِي للظالم حتى إذا أخَذَه لم يُفلِتْه، ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: ١٠٢]».
معاشر المسلمين:
ومن السِّياجات: أن الشريعةَ فرَضَت على كل من تولَّى أيَّ ولايةٍ للمسلمين أن ينصحَ لهم ويُخلِصَ في خدمتهم، وأن يصدُق في رعاية حاجاتهم، قال ﷺ: «ما من عبدٍ يسترعيهِ الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيَّته إلا حرَّم الله عليه الجنَّةَ»، وفي روايةٍ: «فلم يُحِطْها بنُصحه لم يجِد رائحة الجنة»؛ متفق عليه. وفي روايةٍ لمسلم: «ما من أميرٍ يلِي أمور المسلمين ثم لا يجهَدُ لهم وينصحُ لهم إلا لم يدخل الجنةَ معهم».
ومن السِّياجات التي جاء بها الإسلام في هذا الجانب: وجوب الرِّفق بالرعيَّة، والشفقَة عليهم، والرحمة بهم؛ عن عائشة ﵂ قالت: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول في بيتي هذا: «اللهم من ولِيَ من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقُق عليه، ومن ولِيَ من أمر أمتي شيئًا فرَفَقَ بهم فارفُق به»؛ رواه مسلم.
وعن عامر بن عمرو ﵁ أنه دخل على عُبيد الله بن زياد فقال له: "أيْ بُنَيّ! إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن شر الرِّعاء الحُطَمة»، فإياك أن تكون منهم"؛ متفق عليه.
والحُطَمة: هو العنيفُ القاسي الذي يظلمُ من تحت رعيَّته ولا يرِقُّ لهم ولا يرحمهم.
وإن من التوجيهات الإسلامية لمن تولَّى للمسلمين ولايةً: أنه يجب عليه أن يسمع لحاجاتهم، وأن يحرِصَ على البحث عن شؤونهم، والتحرِّي عن كل ما يُصلِحُ أوضاعَهم، وألا يجعل بينه وبينهم ما يحجِبُه عن أحوالهم ومعرفة أوضاعهم؛ فعن أبي مريم الأزدي ﵁ أنه قال لمعاوية ﵁: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «من ولاَّه الله شيئًا من أمور المسلمين فاحتَجَبَ دون حاجاتهم وخلًَّتهم وفقرِهم احتَجَبَ الله دونَ حاجته وخلَّته وفقرِه يوم القيامة»، فجعل معاوية ﵁ رجلًا على حوائجِ الناس؛ رواه أبو داود والترمذي، وإسناده صحيح.
إخوة الإسلام:
ومن التوجيهات في الإسلام لأهل الولايات: أنه أوجبَ عليهم أن يحرِصوا على تقريبِ أهل الخير والهُدى وعلى ذوي الصلاح والتقوى، وأن يبعُدوا عن أهل الشرك والفساد والهوى؛ روى البخاري عن أبي هريرة وأبي سعيدٍ ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: «ما بعثَ اللهُ من نبيٍّ ولا استخلَفَ من خليفةٍ إلا كانت له بِطانتان: بِطانةٌ تأمره بالمعروف وتحُضُّه عليه، وبِطانةٌ تأمره بالشر وتحُضُّه عليه، والمعصوم من عصَمَه الله».
وعن عائشة ﵂ وعن أبيها - قالت: قال ﷺ: «إذا أراد الله بالأمير خيرًا جعل له وزيرَ صدقٍ إن نسيَ ذكَّرَه، وإن ذكَرَ أعانَه، وإذا أراد به غيرَ ذلك جعل له وزيرَ سوءٍ، إن نسيَ لم يُذكِّره، وإن ذكَر لم يُعِنْه»؛ رواه أبو داود والنسائي، وإسناده صحيح.
أيها المسلمون:
ومن أصول الشريعة في باب الولاية: أن الإسلام حرَّم أشد التحريم أن يستغِلَّ صاحبُ الولاية - أيًّا كانت مرتبته - هذا المنصبَ لتحقيق مصالحه الشخصية، ومنافعه الذاتية؛ قال ﷺ: «إن رجلًا يتخوَّضون في مال الله بغير حقٍّ، فلهم النار يوم القيامة»؛ رواه البخاري.
فمن أخذ مالًا من الأموال العامة مُستغلًاّ منصبَه، مُتوصِّلًا بولايته إلى ما لا يحِلُّ له فليستمع إلى الزجر الشديد والوعيد الأكيد من سيد الثَّقَلَيْن ﷺ حينما قال: «من استعملناه منكم على عملٍ فكَتَمَنا مِخيَطًا - أي: إبرةً - فما فوقه كان غلولًا يأتي به يوم القيامة»؛ رواه مسلم.
ومن أصول التشريع في هذا الجانب: أن صاحب الولاية يجب عليه أن يسمع لصوت الحوار الصادق المُخلِص، الحوار الهادف المُنبثِق من ثوابت الشريعة ومنابع الإصلاح، فالله - جل وعلا - يقول لسيد الحُكَّام: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: ١٥٩].
نفعنا الله بما في القرآن والسنة من الأحكام، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه، وعلى آله وصحبه.
معاشر المسلمين:
وعلى من تقلَّد للمسلمين ولايةً أن يتَّقِي الله - جل وعلا - في اختيار عُمَّاله ومُوظَّفيه الذين تحت ولايته، فيحرِصَ على اختيار الأكفَاء ذوي القوة والأمانة الذي يُختارُون لكفاءتهم وعدالتهم وأمانتهم دون نظرٍ لمحسوبيةٍ مقيتة، ولا اعتبارٍ لمصالح شخصيةٍ أو عِرقيَّة، فالله - جل وعلا - يقول: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص: ٢٦]، وفي الخبر: «من ولَّى على عِصابة وفيهم من هو أرضَى لله منه فقد خان اللهَ ورسولَه والمؤمنين».
ثم إن الله - جل وعلا - أمرنا بالصلاة والتسليم على النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الآل وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألك أن تُعِزَّ هذه الأمة، اللهم إنا نسألك أن تُعِزَّ هذه الأمة، اللهم إنا نسألك أن تُعِزَّ هذه الأمة، اللهم أنقِذها من ظلمات الجهل إلى نور العلم، اللهم أنقِذها من الفقر إلى الغِنى، اللهم أنقِذها من الذِّلَّة والهوان إلى العِزَّة يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم، اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم، اللهم وجنِّبهم شِرارهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم لا تجعل لأهل الشر عليهم ولاية، اللهم لا تجعل لأهل الشر والفساد عليهم ولاية، اللهم لا تجعل لأهل الشر والفساد عليهم ولاية، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم إنك تعلم ما يُصيب المسلمين في هذه الأزمان من المِحَن والفتن، اللهم اجعل لهم منها كل مخرجٍ وسبيلًا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعل لهم منها مخرجًا إلى ما فيه صلاحُهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظ دماءهم، اللهم احفظ دماءهم، اللهم اجمع كلمتهم على الخير والهدى، اللهم واجمع كلمتهم على الخير والهدى، اللهم اجمع كلمتهم على الخير والهدى، اللهم اعصِمهم عن كل من يريد إفساد حياتهم، اللهم اعصِمهم عن كل من يريد إفساد أوضاعهم.
اللهم أصلِح أوضاعَنا وأوضاع المسلمين، اللهم يا ذا الجلال والإكرام حقِّق الأمن والاستقرار في رُبوع بلاد المسلمين، اللهم حقِّق الأمن والاستقرار في سائر بلاد المسلمين، اللهم اجعل بلادنا محفوظةً بحفظك، اللهم اجعل بلادنا جميعًا محفوظةً بحفظك، اللهم احفظها بحفظِك يا حافظُ يا عليم.
اللهم إنا نسألك أن تغفر ذنوبنا، اللهم أصلِح أوضاعَنا، اللهم يسِّر أمورنا، اللهم اشفِ مرضانا، اللهم ارحم موتانا.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى.
اللهم أعِد الأمن والأمان لأهلنا في مصر وفي تونس وفي كل بلاد المسلمين يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنك غنيٌّ حميد، اللهم إنك غنيٌّ حميد، اللهم إنك غنيٌّ حميد، فأغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله:
اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلًا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
1 / 11