Речь и социальные изменения
الخطاب والتغير الاجتماعي
Жанры
فلننتقل الآن إلى البعد الأخير من أبعاد التحليل السبعة، وهو البعد الذي يتميز بأكبر قدر من البروز في اهتمامات هذا الكتاب، ألا وهو «التناص» (انظر باختين، 1981م، 1986م؛ وكريستيفا، 1986م، أ)، وسوف أكرس الفصل الرابع كله للتناص، ومن ثم فإن مناقشته هنا سوف تكون بالغة الإيجاز. ويعني التناص أساسا الخصيصة التي يتميز بها أحد النصوص، وهي حفوله بشذرات من نصوص أخرى، وقد تكون ذات حدود صريحة أو مندمجة فيه، وقد يكون النص مستوعبا لها، أو مناقضا لها، أو قد يمثل أصداء ساخرة لها، وهلم جرا. فمن زاوية الإنتاج، نرى أن منظور التناص يؤكد الطابع التاريخي للنصوص، أي كيف أنها دائما ما تمثل إضافات إلى «سلاسل الاتصال الكلامي» القائمة (باختين، 1986م: 94)، إذ تتكون من نصوص سابقة تتجاوب معها. وأما من زاوية التوزيع، فيساعدنا منظور التناص على استكشاف الشبكات الثابتة نسبيا، والتي تسيرها النصوص، وتخضع لتحولات يسهل التنبؤ بها أثناء تحولها من نمط نصي إلى نمط آخر (فالخطب السياسية، مثلا، كثيرا ما تتحول إلى تقارير إخبارية). وأما من ناحية الاستهلاك، فيساعدنا منظور التناص على التأكد من أن التفسير لا يعتمد في بنائه على «النص» فقط، بل ولا على النصوص التي تشكله من خلال التناص وحسب، بل يعتمد أيضا على نصوص أخرى يشركها المفسرون بطرائق مختلفة في عملية التفسير.
وسوف أميز بين «التناص السافر» حيث لا تخفى الاستعانة بنصوص أخرى داخل النص، وبين «التداخل الخطابي» أو «التناص التكويني»، فالتداخل الخطابي يوسع نطاق التناص في اتجاه مبدأ أولوية نظام الخطاب الذي سبقت لي مناقشته؛ فنجد من ناحية معينة تشكيلا أو تكوينا غير متجانس لنصوص غير متجانسة من نصوص أخرى محددة (التناص السافر)؛ ونجد من ناحية أخرى تكوينا غير متجانس لنصوص من عناصر معينة (أي أنماط الأعراف الخاصة) بنظم الخطاب (أي التداخل الخطابي).
ومفهوم التناص يرى أن النصوص، تاريخيا، تحول الماضي - أي التقاليد القائمة والنصوص السابقة - إلى الحاضر. وقد يحدث هذا بطرائق تقليدية ومعيارية نسبية؛ أي إن أنماط الخطاب تميل إلى تحويل الطرائق الخاصة للانتفاع بالتقاليد والنصوص إلى طرائق معتادة ، وإلى تطبيعها، ولكن هذا قد يحدث بأسلوب خلاق، أي بإنشاء تشكيلات جديدة من نظم الخطاب، وأشكال جديدة من التناص السافر. والصبغة التاريخية الأصيلة في النظرة التناصية إلى النصوص، والصيغة التي تتيح لها أن تقبل بيسر أي ممارسة خلاقة، هما اللتان تجعلانها مناسبة إلى أقصى حد لمشاغلي الراهنة بالتغير الخطابي، وإن كنت سوف أسوق الحجة أدناه إلى ضرورة ربطها بنظرية للتغير الاجتماعي والسياسي من أجل البحث في التغير الخطابي داخل عمليات أوسع نطاقا للتغير الثقافي والاجتماعي.
وأعتقد أن تحليل الممارسة الخطابية ينبغي أن يجمع بين ما يمكن أن نسميه «التحليل الضيق النطاق» (أو «الضيق» وحسب)، وبين ما يمكن أن نسميه «التحليل الواسع النطاق» (أو «الواسع» وحسب). فالأول هو نوع التحليل الذي يتفوق فيه محللو المحادثة؛ أي أن يشرح المحلل، على وجه الدقة، كيف ينتج المشاركون النصوص ويفسرونها استنادا إلى ما لديهم من «موارد الأعضاء» (جماع الخبرات)، ولكن لا بد من استكمال هذا بالتحليل الواسع من أجل معرفة طبيعة «موارد الأعضاء» (بما في ذلك نظم الخطاب) التي يستندون إليها في إنتاج النصوص وتفسيرها، والبت فيما إذا كانوا يستندون إليها بطرائق معيارية أو خلاقة. والحق أن المرء لا يستطيع أداء التحليل الضيق من دون معرفة ذلك. والتحليل الضيق، بطبيعة الحال، هو الأسلوب الأمثل لإماطة اللثام عن هذه المعلومات، ما دام يقدم الأدلة اللازمة للتحليل الواسع. ومن ثم فإن التحليلين الضيق والواسع لازمان لبعضهما البعض. ووجود هذه العلاقة هو الذي يتيح لبعد الممارسة الخطابية في الإطار ثلاثي الأبعاد الذي وضعته أن يحدد العلاقة بين أبعاد الممارسة الاجتماعية وبين النص، إذ إن طبيعة الممارسة الاجتماعية هي التي تحدد العمليات الواسعة النطاق للممارسة الخطابية، وكذلك العمليات الضيقة النطاق التي تشكل النص.
ومما يترتب على الموقف الذي أتخذه في هذا القسم أن كيفية تفسير الناس للنصوص في شتى الظروف الاجتماعية مسألة تتطلب بحثا منفصلا. وإذا كان الإطار الذي قدمته يشير إلى أهمية النظر في التفسير كموضوع مستقل، فلا بد لي أن أبين أن الدراسات التجريبية مستبعدة من هذا الكتاب (ولمن يريد الاطلاع على البحوث الخاصة بتفسير النصوص الإعلامية أن يرجع إلى مورلي، 1980م، وطومسون، 1990م، الفصل السادس). (4) الخطاب باعتباره ممارسة اجتماعية: الأيديولوجيا والهيمنة
أرمي في هذا القسم إلى أن أحدد بوضوح أكبر بعض جوانب البعد الثالث في إطاري الثلاثي الأبعاد، وهو الخطاب باعتباره ممارسة اجتماعية. وبصفة أخص، سوف أناقش الخطاب في علاقته بالأيديولوجيا والسلطة، والموقع الذي يشغله الخطاب في إطار صورة السلطة باعتبارها هيمنة، وصورة تطور علاقات السلطة باعتبارها صراعا حول الهيمنة. وأنا أعتمد في هذا على الإسهامات الكلاسيكية في ماركسية القرن العشرين، من جانب ألتوسير وجرامشي، إذ إنها (على الرغم من ازدياد النفور المعاصر من الماركسية) تقدم إطارا حافلا للبحث في الخطاب باعتباره شكلا وممارسة اجتماعية، وإن كان ذلك بتحفظات مهمة، خصوصا في حالة ألتوسير.
الأيديولوجيا
لم تحظ نظرية وضعت للأيديولوجيا بمثل النفوذ الذي حظيت به قطعا نظرية ألتوسير في المناظرة الحديثة العهد حول الخطاب والأيديولوجيا (ألتوسير، 1971م، لاران، 1979م) وكنت قد أشرت إليها إشارة موجزة في أثناء مناقشتي لموقف بيشوه في الفصل الأول. والواقع أننا نستطيع القول بأن ألتوسير قد قدم الأساس النظري للمناظرة المذكورة، وإن كان فولوسينوف (1973م) كان قد قدم مساهمة كبيرة قبله بمدة طويلة.
والأسس النظرية التي أعنيها تتكون من ثلاث مقولات مهمة حول الأيديولوجيا. أما المقولة الأولى فذات وجود مادي في ممارسات المؤسسات، وهو ما يفتح الباب للبحث في الممارسات الخطابية، باعتبارها أشكالا مادية للأيديولوجيا. والمقولة الثانية هي القول بأن الأيديولوجيا «تسائل الذوات» وهو ما يؤدي إلى القول بأن إحدى «النتائج المهمة» لها، وهي التي يتجاهلها علماء اللغة في الخطاب (طبقا لما يقوله ألتوسير، 1971م، 161 هامش 16) تتمثل في تكوين «الذات». والمقولة الثالثة هي القول بأن «أجهزة الدولة الأيديولوجية» (أي مؤسسات مثل التعليم وأجهزة الإعلام) تمثل مواقع للصراع الطبقي وغنائم يحاول المشاركون في الصراع الفوز بها، وهو ما يشير إلى أن الصراع حول الخطاب - وداخل الخطاب - قضية يركز عليها تحليل الخطاب ذو التوجه الأيديولوجي.
وإذا كانت المناظرة حول الأيديولوجيا والخطاب قد تأثرت تأثرا شديدا بهذه المواقف، فإنها قد عانت من أوجه القصور المعترف بها على نطاق واسع في نظرية ألتوسير. ونقول بصفة خاصة: إن عمل ألتوسير يتضمن تناقضا لم يحسم بين رؤية السيطرة باعتبارها فرض أيديولوجية مسيطرة أحادية الجانب وإعادة إنتاجها، وهي التي تبدو الأيديولوجيا في ضوئها بمثابة وسيلة تدعيم اجتماعية عامة، وبين إصراره على أن الأجهزة تعتبر مواقع صراع طبقي دائم وغنائم له، وقوله بأن نتيجة هذا الصراع غير محسومة في جميع الأحوال. والواقع أن النظرة الأولى هي السائدة، وأننا نشهد تهميشا للصراع وللتناقض والتحول.
Неизвестная страница