269

Мысли и чувства воображения

خواطر الخيال وإملاء الوجدان

Жанры

ومن الذين رجحت عندهم فكرة الترجمة على غيرها من الآراء الأخرى الأديب «محمد كامل حجاج»، فقد تفقد صفحات من أدب بعض الأمم الغربية واختار منها محاسن فيها وترجمها ونشرها بين الناطقين بالضاد لتزداد بها مادتهم الأدبية.

وهو «يحافظ على الألفاظ والجمل محافظة دقيقة، ولكنه يتصرف في ترتيب الألفاظ طبقا لما يستوجبه ذوق اللغة التي ينقل إليها»، وهو يرى أن هذا هو أعظم أسلوب في الترجمة والمتبع بين أفاضل المترجمين في أوروبا.

وكذلك يرى «أنه لا ينبغي للناقل أن يترجم شيئا لكاتب أو شاعر دون أن يقرأ عدة قصائد أو قطع ليسبر غوره وتتجلى له روحه ومراميه»، وهذا النوع الأخير هو الذي اتبعه في تعريبه. ••• «بلاغة الغرب»: جزءان كبيران ولكنهما مع ذلك قطرة من بحر محيط واسع، على أنها قطرة قد تطفئ قدرا كبيرا من ظمأ المتعطشين، وكذلك هي قطرة حلوة نقية صافية.

أطل المعرب الأديب من وراء ستار مجهوداته الكريمة على ساحة اللغة العربية الواسعة منذ سنين، بجزئه الأول من بلاغة الغرب، وكان الجدل بين أهل تلك الساحة قائما، وكذلك لم تكن لشواغل الحروب وحوادث الأيام ما لها من الأثر الكبير في حياة العقول الآن، فتناولوه يومئذ حاجة جديدة ومادة للجدل، ولكنهم انتهوا منه على تشجيعه واستحسانه، ولم يكن هذا التشجيع مع الاستحسان والقبول إلا داعية ثبات الأديب على فكرته واستمراره في مجهوده، وما كان التصفيق له في الأولى إلا دليلا على فائدة عمله وحسن اختياره وجمال أثره وأنه المكافأة الواجبة من ظمآن لساقي الماء الزلال؛ لذلك جاء في الثانية مثله في الأولى. لم يقف ولم يتقهقر بل سار وتقدم وهو يتلفت حوله فاقتطف من مختلف الرياض ما جمع به طاقته الأدبية من أزهار الجنان الغربية الواسعة الغنية، وقدمها للجمهور العربي في شكل أختها السابقة.

وقبل أن نلقي بالنظرات على أزهاره ومقتطفاته الجديدة نقول: إن تمسك الأديب كامل حجاج بأن يكون جزؤه الثاني مثل جزئه الأول من حيث الشكل والطبع وحسن الورق وإتقان العمل دليل واضح على أنه يحمل للجمهور القارئ احتراما كبيرا جليلا، كما أنه برهان على تحفظه ورعايته للدقة والعناية، وقد كان سهلا على الأديب أن يجد المعاذير الجمة إذا هو أراد أن يخرج كتابه الثاني أقل جودة من كتابه الأول. •••

الجزء الثاني من بلاغة الغرب ينشر بين الناطقين بالضاد مختارات من أدب الفرنسيس والإنجليز والألمان والطليان، وبينما ينقل المترجم عن ألفريد دوفيني الفرنسي «غضب شمشون» الجبار وقد هلكت قوته فينادي: «أيها الدائم قهار الجبابرة ...» وينقل عنه «الأقدار» وهي تقول: «نحن الأقدار المشئومة من لم تخطئ سهام سطوتنا القديمة فردا من الناس، قد أتينا نستعلم عن أحكام المستقبل ...» إذا به يترجم القطعة الخاصة عن بيتهوفن شيخ الموسيقيين للكاتب البولوني الأصل الفرنسي اللغة؛ ألفونس كار، صاحب رواية تحت ظلال الزيزفون.

ولما اجتاز المترجم الحدود بين فرنسا وألمانيا - وهي في دور الأدب لا حرس عليها ولا جمارك لها ولا مناطق احتلال ولا رور ولا رين - ذهب إلى «صاحب التاج والصولجان بين الشعراء الألمان» جوت ونقل عنه كثيرا، ولما ودع جوت استقبل شيلر «ثاني شعراء الألمان» ونقل عنه «الرهين» وهي قصة تشبه قصة العربي مع النعمان بن المنذر، كذلك نقل «الغواض» الذي يقول: إن السعداء من يستنشقون هذا الهواء النقي.

ولما تحول عن ثاني شعراء الألمان أقبل على «ثالثهم» هنريش هين فترجم له «بحر الشمال» بمقطوعاتها الشعرية الكثيرة: «إن في الشمال غادة ... تدلت حلقات شعرها الفاحم كليلة هنيئة من رأسها المتوج بغدائرها المفرغة حول وجهها الأزهر المؤثر الذي تسطع به عينها الشبيبة بشمس سوداء.»

ثم انحدر المترجم من بلاد الجرمان مخترقا جبال الألب إلى بلاد الطليان وأنصت إلى شاعرهم «تاسو» وشهد روايته «أمنت» «التي لم يستطع أحد من الكتاب أن يأتي بمثلها».

ثم أبحر من إيطاليا إلى إنجلترا حيث قرأ على «نابغة من فحول شعرائها ملتون» «الفردوس الضائع» فنقل منها حديث إبليس: «وحيث ضاعت مني كل النعم والطيبات فكن نعيمي أيها السوء ... وربما استطعت بك أن أحكم على أكثر من نصف العالم.» ثم حديث آدم وقد سمع ربه يقول له بعد أن استوحش آدم الأرضين: «كيف تذكر وحدتك؟ أليست الأرض معمورة بمختلف الخلائق الحية؟ ... استخدمها وتحكم لملاهيك فيها فمملكتك واسعة الأرجاء.»

Неизвестная страница