ومرت صاحبة البيت بالصديقين: علي، أريدك. - وقام إليها وهمست: ماذا تقول لخيري عن إلهام؟ - حكايات. - سمعتك تتكلم عن إلهام. - من ضمن الحكايات. - ماذا قلت له؟ - أروي له عن حكايتها مع شريف ابن عمي. - نهارك أسود. - لماذا؟ - لأنه هو زوجها وهما مختلفان في هذه الأيام. - ماذا؟ - ما سمعت . - أين باب الخروج؟
وهكذا لم تستغرق الصداقة الجديدة أكثر من ساعات في حياة الصديقين، أي حكمة في هذا لا أدري؟ أستطيع طبعا أن أستخرج لك بعض حكم سخيفة: لا تتحدث عن النساء إذا كنت لا تعرف من تتحدث إليه معرفة وثيقة، أو حكمة أخرى أكثر سخافة: لا تتعجل بالصداقة أو ما شئت، ولكن المؤكد أن الحياة لم تقصد إلى أي حكمة تريد أن تسمعها، أو أحاول أنا أن أفتعلها افتعالا.
الحكاية الثانية: الزواج والقدر
لعلني لم أعرف في حياتي شخصا أحب زوجته قدر ما كان عبد الحميد يحب زوجته، فقد كان دائم الفخر بها والإكرام لها، وكان سعيدا أنها تفصل له قمصانه، وأنها أيضا تعاونه على العيش بالتدبير، وكان يرى فيها الجمال الذي لا يراه في أحد سواها ... ولم يكن عبد الحميد ساذجا ولا عبيطا، وإنما مارس الحياة ومارسته، وعرف فيما قبل الزواج كل ما يعرفه الشباب قبل الزواج من لهو ومتعة، بل ولعله بالغ بعض الشيء في لهوه ومتعته، حتى إذا تزوج أصبح لا يعرف غير زوجته وعمله والصلاة والصوم والعبادة أعمق ما تكون العبادة.
وكنا حين نلتقي بعبد الحميد نصبح على ثقة أن الحديث لن ينقضي، أو يأتي بذكر زوجته مرتين أو ثلاثا على الأقل، ولما كان يكبرنا في السن فقد كنا نخجل أن نعلق على حديثه هذا بغير ما يحب.
حتى كان يوم سمعنا فيه عجبا، لم تكن زوج عبد الحميد أهلا لهذا الحب وهذا الوفاء.
وقد اكتشف هو الحقيقة المروعة، ولكنه ظل ثابتا كالطود واجدا في صلاته وصيامه ملاذه الذي يلوذ به من النكبة النكباء التي تزلزل الجبال الشم.
كانت زوجته في ريعان العمر، ولم يكن هو يسبقها في العمر بسنوات كثيرة، فكان عدم وفائها لا تبرير له إلا أنها نوع من النساء لا يعرف كيف يكون وفيا، طلق زوجته، ومشت الحياة.
وعرفت سيدة فاضلة تصلح زوجة لعبد الحميد، إلا أنني أخشى أن أتدخل في مثل هذه الأمور؛ فإن الصلة بين الزوج وزوجه صلة لا مثيل لها في الصلات، وأخشى أن تكثر بينهما المشاجرات فيلعنني كل منهما في كل مشاجرة وأنا لا أحب أن ألعن بغير مناسبة.
إلا أنني استخرت الله وقلت أقوم بالتجربة.
Неизвестная страница