الأهرام - العدد 32687
8 يونيو 1976
من مفكرة ثروت أباظة
ذهبت إلى قريتي هذا الأسبوع وطريقي إليها كله حقول، فهكذا طرق مصر الزراعية جميعا، ولكن حين اقتربت من قريتي وجدت نسمة لها عبق خاص أنست له نفسي.
جزء من كياني لاقى جزءا من كياني، بعض مني هفا إلى بعض مني، أريج زهرة البرسيم مع عيدان القمح المحصود مع بشائر شجيرات القطن من هذا العبق الذي عرفته منذ ولدت، والذي أعرفه وإن كنت مغمض العينين، إنه عبق قريتي.
حين كانت أكياس القطن في المدحاية تنتظر المشتري، نتخذ منها نحن أطفال القرية ملعبا ومراحا، أملنا أن يطول بها الأمد ملقاة أو واقفة لنختبئ بينها ونجلس عليها ونسمر، وليس يعنينا رغبة آبائنا الملحة أن تجد المشتري وتنقل.
رفاق ملعبي صالح أبو عرابي الذي أصبح شيخ الخفراء الآن، والسيد أبو علي الذي أصبح المخزنجي، وصلاح أبو أحمد ابن العمدة الذي أصبح مدرسا أول، ويوسف أبو عبد القادر الذي كان يصنع لنا السيارات من الطين، وأصبح اليوم عامل المكن، وغيرهم، وأصبحوا اليوم هم رجال القرية، فحين سعى إليهم الحقد ليوقع بيني وبينهم لفظت نفوسهم بذرة الحقد، وسقت شجرة الحب بيننا التي نمة في نفوسهم وفي نفسي.
وأسمع من رجل من رجال السياسة الكبار وضع تحت الحراسة فترة طويلة، ورفعت عنه هذه الحراسة في عهد الحرية، أن الفلاحين في الأرض التي يملكها، والتي وقعت عليها الحراسة، كانوا يقصدون إليه جميعا في كل عام، ويؤدون إليه إيجار الأرض كاملا لا حراسة هناك.
أخلاق بعيدة عن الحقد، وقد دمر الحقد حياتنا فترة من الزمان، ولكنه جاء عند مشارف الريف وهزمته نفوسهم ووفاؤهم وحرصهم على هذه المعاني الكريمة التي يعيشون بها حياتهم.
وأذكر هذا، وأذكر مثال أستاذنا الدكتور زكي نجيب محمود في هذا الشأن، وأحاول أن أرجع إليه فتعييني الحيلة، وأطلب مكتب المعلومات في «الأهرام» أستنجد به، فما هي إلا أن أضع سماعة التليفون حتى أجد المقالة عندي حاضرة من قريب، وأقرأ: «أخلاق القرية التي ندعوا لها لنجعل منها نموذجا لسلوكنا ضرورية لحياتنا، ولكنها وحدها لا تكفي؛ إذ لا بد أن تكملها أخلاق المدينة».
Неизвестная страница