توعية الجماهير
لا أعرف شعارا أسخف من شعار توعية الجماهير هذا، ولعل جمعية تنظيم الأسرة هي أعظم دليل على ما أذهب إليه، فهذه الجمعية - فيما أعتقد - قامت لتبث الوعي بين الجماهير أن يحددوا النسل حتى لا ينوء رب الأسرة بعدد كبير من الأولاد، ويصبح وهو لا يستطيع الإنفاق عليهم، وحتى لا ينوء الوطن بأبنائه فيصبح وهو غير قادر على القيام بشأنهم.
ومنذ قامت هذه الجمعية والأطفال ينسلون إلى الحياة زرافات، ولا أقول وحدانا.
وتنظر حواليك فتجد الأسرات، كلما كانت جاهلة كثر فيها النسل، وكلما ازدادت بها الثقافة قل فيها الأطفال.
والأسر المثقفة لا صلة لها بجمعية تنظيم الأسرة ولا بالشعارات التي ترفعها، ومن عجب أن تحاول هذه الجمعية بث دعايتها عن طريق التليفزيون، بينما المقصودون بهذه الدعاية لا يكادون يجدون طعام يومهم، فما خطبك بالتليفزيون؟
وكنا ظننا أن انتشار الراديو في القرى سيجعل الفلاح يجد ملهاة أخرى غير إنجاب الأطفال، فإذا بالأمر يزداد سوءا، ويلازم داره مع الراديو ويزداد الإنجاب.
وجمعية تنظيم الأسرة - فيما أعتقد - ذات ميزانية، وإلا فمن أين تنفق على رعايتها وعلى مرتبات الموظفين بها.
ترى أيعتقد القائمون بأمر هذه الجمعية أنهم حققوا أي نجاح بدعايتهم وبتوعيتهم للجماهير، وإن كان هذا ظنهم فأين أثره؟
الحقيقة أن الوعي يأتي من داخل الإنسان، وهو لا يأتي من فراغ، وإنما يأتي من تفكير، والتفكير لا يكون إلا مع شيء - ولو يسير - من الثقافة، والثقافة لا تكون إلا مع شيء - ولو قليل - من العلم، والعلم لا يكون إلا بتعلم القراءة والكتابة، فلو شاءت هذه الجمعية أن تكون ذات نفع فلتنس ولو إلى حين مشكلة تحديد النسل، ولتنفق جهدها ومالها في مشكلة تحديد الجهل.
فإذا قرأ الأمي فكر، وإذا فكر سيعرف هو من تلقاء نفسه كيف يحدد نسله وتصل الجمعية إلى ما تنشده.
Неизвестная страница