لبستها تلاعه ووهاده
عند من لا يقاس كسرى أبو سا
سان ملكا به ولا أولاده
عربي لسانه فلسفي
رأيه فارسية أعياده
وقضى الشاعر شهرين في ضيافة ابن العميد محفوفا بصنوف الإكرام والرعاية، ولكن نفسه الملول أبت عليه أن يركد في مكان كالماء الآسن، فاغتنم لقاء الرئيس واستأذنه في الرحيل، ولكن ابن العميد فاجأه بأن عضد الدولة ملك شيراز أرسل يلح في قدومه إليه، ويتشوف إلى لقائه، وأنه بعث إليه بهدايا لم تظفر بمثلها الملوك. فاضطرب المتنبي، وقال: بالله يا سيدي دعني من هؤلاء الديلم. إنني شاعر عربي وما أنزل الله الشعر على قلبي إلا لأكون لسان العرب، وعنوان العرب، ومعيد مجد العرب. - إن عضد الدولة رجل ديلمي النسب حقا، ولكنه عربي النفس عربي النزعة، وهو أديب شاعر يناصر العلم ويرفع شأن دولة العرب، وسيصل إليك من عطائه وصلاته فوق ما يتوهم خيال شاعر. - بالله عليك يا سيدي لا تغرني بهذه الوعود، فإني ملقى من هؤلاء الملوك، ملدوغ من جحورهم مرات. ولولا مطامحي ما أصغيت إلى أكاذيبهم، ولعشت في خير حال، أقصد الواحد منهم بعد الآخر، فأتوجه إليه بآيات خالدات من الشعر الذي تحسده لآلئ البحار، فإذا نال مني لا يبتغي تنكر لي، وصرف عني وجهه في صلف وكبرياء. - إن عضد الدولة ليس من هذا الصنف يا أبا الطيب، إنه رجل خلق ليكون ملكا، وملك خلق ليكون رجلا، فلو أقمت عنده ما أقمت لكان في يوم وداعك أحف منه بك في يوم استقبالك. - ولكني يا سيدي رجل ملول شديد الضجر مولع بالنقلة، وهذا لا يرضي هؤلاء الملوك الذين يلذ لهم احتباسي على الرغم مني، فإذا قبلني على أن أقيم عنده كما أشاء، وأرحل عنه متى أشاء توجهت إليه.
وكاتب ابن العميد عضد الدولة بشروط المتنبي، فقبلها فشد الرحال إلى شيراز كارها، وقد زاد به الحنين إلى زوجه ، وعادت إليه أطياف للشام وحلب، ومر في طريقه بشعب «بوان» وهو غيضة كثيرة الأدواح الملتفة المزهرة، والأشجار المثمرة، والمياه المتدفقة، وهو أحد متنزهات الدنيا الأربعة، وقد أوحى هذا الشعب إلى أبي الطيب بروائع المعاني، وهاج في نفسه ذكريات دمشق والعروبة وما للعرب من كرم ومجد حين يقول:
ولكن الفتى العربي فيها
غريب الوجه واليد واللسان
ملاعب جنة لو سار فيها
Неизвестная страница