وقال المعلم بلغة الإغراء: وفينا أفندية محترمون كحضرتك!
فقال أحمد بسرعة: أستغفر الله يا معلم، أستغفر الله. - والحسين وجده .. بل إن جل أصدقائي أفندية من خيرة هذا الحي، فالعمارات الجديدة جذبت أسرا طيبة كثيرة، يوجد هنا كل ما تريد .. القهوة والراديو واللطف والنارجيلة، بل هنا متسع لمرضية الله ومعصيته على السواء!
فضحك أحمد قائلا: أعوذ بالله من معصية الله!
فحملق المعلم في وجهه، ثم قال مستدركا بصراحته الغريبة كأنه يعرفه منذ سنين طويلة لا منذ دقائق: المرضية والمعصية كالنهار والليل لا ينفصلان، وفوقهما مغفرة الله ورحمته .. أحنبلي أنت؟! - كلا .. كلا! - تعجبني! - ولكن كيف يتسع هذا الحي لمعصية الله؟ - أوه .. يا ما تحت الساهي دواهي .. فصبرا حتى يأتيك اليقين، ومع ذلك فليس الذنب بذنب حينا، الذنب ذنب الأحياء الأخرى، لقد ضاقت بالفساد، فصدرت ما يزيد عن حاجتها إلينا، على حد قول الراديو عن التجارة العالمية. هنا نحن نصدر المواد الأولية والأحياء الأخرى توردها مصنوعة، فمن بعض أطراف هذا الحي تصدر الخادمات فتحولها الأحياء الأخرى إلى غانيات، في هذه الحرب قلبت الدنيا رأسا على عقب، تصور يا إنسان أني سمعت بالأمس بنت بائعة فجل تدعو أختها تقول: «تعالي يا دارلنج»!
وضحك أحمد بسرور، وانبسط وانشرح صدره، وقال وغرضه الأول أن يستدرج محدثه إلى الكلام: حيكم طاهر يا معلم رغم هذا كله، فالفساد هناك فوق ما يتصوره العقل! - اللهم احفظنا، إلا أنه من الحكمة ألا نركب الهم أنفسنا، دع الهموم واضحك واعبد الله، الدنيا دنيا الله، والفعل فعله، والأمر أمره، والنهاية له. فعلام التفكير والحزن؟! .. ملعون أبو الدنيا! - هذا شعارك المحبوب يا معلم طالما صعد إلى حجرتي ترديدك له. - أجل ملعون أبو الدنيا، هذا شعار الاستهانة لا اللعن أو السب، ولكن هل تستطيع أن تلعنها بالفعل كما تلعنها باللسان؟ هل تستطيع أن تستهين بها وتضحك منها إذا أفقرتك؟ وإذا أعرتك؟ وإذا كربتك؟ وإذا أجاعتك؟ صدقني إن الدنيا كالمرأة تدبر عمن يجثو بين يديها، وتقبل على من يضربها ويلعنها، فسياستي مع الدنيا ومع النساء واحدة، واتكالي من قبل ومن بعد على الله سبحانه، ورب يوم يستدبر ولما يفتح الله علينا بمليم، ولا يدري أحد ماذا يأكل العيال وما أملك ثمن النارجيلة، فما أزال آخذا في الغناء واللعن والتنكيت، وكأن العيال عيال جاري والفقر راكب عدوي، ثم تفرج، فيطلب منا عمل وأقبض مقدم الأتعاب، افرح يا نونو، اشكر الله يا نونو، خذي يا زينب اشترى لحمة وأنت يا حسن هات فجلا، اجري يا عائشة ابتاعي بطيخة، املأ بطنك يا نونو، كلوا يا أبناء نونو، واشكرن يا زوجات نونو.
ولفت سمع أحمد قوله «زوجات نونو» فتساءل: تري كم زوجة يضم حريم نونو؟! .. وهل يحدثه بأسراره الداخلية بمثل صراحته هذه عن فلسفته العامة؟! .. ولم يجد سبيلا إلى غرضه إلا بالحيلة، فسأله: كان الله في العون، الظاهر أن أسرتك كبيرة.
فقال الرجل ببساطة: أحد عشر كوكبا، وأربع شموس.
ثم أشار إلى نفسه وكمل قائلا: وقمر واحد!
فتردد عاكف لحظات، ثم قال: أزواج أربع! - كما شاء الله. - وإن خفتم ألا تعدلوا؟ - ومن قال عني أنى ظالم؟! - وهل تستأجر تبعا لذلك بيوتا أربعة؟ - بل شقة واحدة كشقة حضرتك، مكونة من حجرات أربع في كل حجرة أم وأبناؤها!
فلاحت الدهشة في وجه الرجل ونظر إلى محدثه بإنكار، فضحك المعلم ضحكته العظيمة بفخار، وقال: ما الداعي للدهشة يا أحمد أفندي؟
Неизвестная страница