وعند عصر يوم الأحد وكان أحمد مجتمعا بوالديه يحتسون قهوة العصر، جاء البريد بكتاب ما إن رأى الظرف حتى تمتم بغرابة: هذا خط رشدي.
وتنبه الوالدان، وتابعت عيناهما يد الرجل وهو يفض الغلاف، وقد كتب الخطاب بالقلم الرصاص، وبخط رديء - على غير عهد صاحب الخطاب - وكان به ما يأتي:
8-3-1942
أخي العزيز:
تحياتي إليك وإلى والدي.
أكتب كتابي هذا وقد مضى على انتصاف الليل ساعتان ... ولا تدهش يا أخي فقد حرمت نعمة النوم إلى الأبد، وما عاد لأي منوم من تأثير في، تصور أني تناولت بالأمس جرعة من منوم معروف، فلما لم تجد شيئا، عاطاني الدكتور برشامة مخدرة وبشرني بنوم ثقيل، وها هو الليل ينتصف وتمضي على انتصافه ساعتان وأنا متيقظ مسهد، ولا نهاية لعذابي، بل لا أزال جالسا لأن الرقاد - أو ضغط ظهري على حشية الفراش - يهيج السعال الذي اشتدت نوباته علي، فلا معدى لي عن الجلوس في فراشي، وقصارى ما يمكن عمله لتهيئة الراحة أن أكسر مخدة وأضعها على حجري ثم أسند رأسي إليها.
أخي:
يؤسفني أن أؤلمك أو أحزنك، ولكنها الحقيقة المرة، ولا حيلة لي فيها، ولا مفر من أن أفضي إليك بالحقيقة فأنت ملاذي أولا وأخيرا، فاعلم يا أخي أني اطلعت على نتيجة الأشعة التي صورت صدري غداة وصولي إلى المصحة، وقد كشفت إصابة جديدة في الرئة اليمنى، أما اليسرى فقد حفرت الإصابة القديمة لي كهفا في حجم نصف الريال، والحالة العامة خطيرة، وإليك تقرير الطبيب النوبتجي. «عدم قابلية للأكل مطلقا، عدم النوم مطلقا، سعال نظيف، ونفس مكروش دائما ...» فلا شك أني في طريق النهاية، لا شك في ذلك مطلقا ، إني أكتب إليك ودموعي تنهمر فتخفي عن ناظري الألفاظ التي أنعى بها نفسي إليك، وكلما ذكرتكم غلبني البكاء.
هذه هي الحالة، فأستحلفك بالله يا أخي إلا ما وافقت على عودتي إليكم لأقضي بينكم أيامي الأخيرة حتى يوافيني الأجل ... فلا تعرض عن توسلاتي هذه المرة. وأكرر أسفي لإيلامك ولكن ما حيلتي؟! .. وعليك ألا تخبر والدي بالحقيقة والسلام عليكم ورحمة الله.
أخوك المخلص
Неизвестная страница