فسأله الرجل باهتمام: أحقا لم ينج من بيوت الحي إلا عدد قليل؟
فضحك أحمد قائلا: الحقيقة أنه لم يهدم سوى بيت واحد. - يا للناس من الإشاعات! .. فماذا فعلت تلك الفرقعة الهائلة التي خلناها في بيوتنا؟ - كانت فرقعة في الهواء!
فتحول الأستاذ أحمد راشد عن الراديو - مما دل على أنه لم يستغرق كل انتباهه - وسأل الجار الجديد: وهل سقط طوربيد حقا ولم ينفجر؟
فقال أحمد وقد شعر بسرور لتحول الشاب إليه: وقيل طوربيدان ولكن أحيط بهما وعالجهما الخبراء.
فقال أحمد راشد: من لنا بذاك الخبير الكندي الذي قرأنا عنه في أنباء الحرب؟ يقال إنه أنقذ أحياء كاملة في لندن!
فتساءل سيد عارف كالمتهكم وكان من محبي الألمان: أما تزال توجد أحياء كاملة في لندن؟!
فابتسم أحمد راشد وقال لعاكف: صاحبنا من أنصار الألمان!
وضحك المعلم نونو قائلا مكملا قول المحامي: لأسباب طبية!
وتورد وجه سيد عارف، ولكن المعلم نونو لم يرحمه فأرسل ضحكته العظيمة مرة أخرى وقال: يحسب أن الطب الألماني يستطيع أن يعيد الشباب !
وقطب سيد عارف جبينه مستاء، والظاهر أنه كبر عليه أن يصارح بمثل هذا الكلام أمام رجل ما زال جديدا في جماعتهم، وأدرك أحمد عاكف أن وراء ملاحظة نونو ما وراءها، ولكنه لم يبد على وجهه أنه سمع شيئا، وأراد نونو أن يستدرك هفوته فراح يحدث الضيف عن الحي الجديد مثنيا عليه بما يعلم حتى علق أحمد راشد على كلامه قائلا: هذا الحي هو القاهرة القديمة، فهو بقايا متداعية حقيقة بأن تهز الخيال وتوقظ الحنان وتستثير الرثاء، فإذا نظرت إليها بعين العقل لم تر إلا قذارة تقتضينا المحافظة عليها التضحية بالبشر، وما أجدر أن نمحوها لنتيح للناس فرصة التمتع بالحياة الصحية السعيدة!
Неизвестная страница