وتحاور المحققون: إنه للغز! - إنه للغز! - أجل، ولكن قد نجد في حله الحل الأخير للمسألة.
تركز اهتمام الباحثين على القللي، فدلت التحريات على وجود شقيق له على قيد الحياة يدعى الزين، وسئل الزين عن علاقة شقيقه القللي بالعجل، فأجاب ببساطة: ثلاثتنا من رجال عجرمة، وكنا أصدقاء. - ألم تتغير علاقتهما في الأيام الأخيرة؟ - كانا صديقين حتى اللحظة التي تركت فيها الحارة، في صباح اليوم المشئوم!
ثم أدلى بما لديه من معلومات، فقال: خرجت في الصباح الباكر بعربتي لأبيع الفول، وعادة ما يذهب معي حتحوت شقيق العجل، وهو بياع بطاطة، فنسرح معا أو نستريح من تجوالنا معا. - متى علمت بالمعركة؟ - رجعت إلى الحارة ظهرا، كان كل شيء قد انتهى، ووجدت أخي والعجل وحتحوت بين القتلى. - قلت إن حتحوت كان معك، فكيف قتل في المعركة؟ - وقع له حادث اضطره إلى العودة مبكرا عن ميعاده. - كيف كان ذلك؟ - من عاداتنا - أنا وهو - أن نتسلى في أوقات الفراغ بالمصارعة، تصارعنا كالعادة، وإذا به يسقط مغمى عليه، رششت الماء على وجهه حتى أفاق، وعند ذاك اعترف لي بأنه مسطول وأنه يشعر بخور، فلذلك رجع إلى الحارة وهو لا يدري أنه ذاهب إلى حتفه!
ما زال اللغز لغزا، لم قتل العجل القللي وهو صديقه، وكلاهما ينتميان إلى فتونة واحدة؟
هل كان هو الرجل الذي أقسم العجل لينتقمن منه، أو أن القللي تصدى للدفاع عن الآخر الذي اندفع العجل للانتقام منه؟!
وتطوع للشهادة رجل ليس في الأصل من أهل الحارة، ولكنه من زبائن العجل، قال: ذهبت إلى دكان العجل لأدق طعمية، فرأيته يغادرها مسرعا غاضبا وهو يهتف : «يقتلك المجرم! .. الويل له!»
ها هي شهادة أخرى تؤكد شهادة المرأة الأولى، وتضيف إليها تفاصيل جديدة، العجل تبعا لهذه الشهادة يريد أن ينتقم لشخص قد قتل، شخص قتل قبل أن تبدأ المعركة، ربما في اليوم السابق لها، أو في أثناء الليل، وتابع الشاهد المتطوع قائلا: جلست أنتظر في الدكان دقائق، ثم حدثني قلبي بأن أحداثا ستقع، وكنت أعرف كيف تشتعل النار في الحارة لأوهى الأسباب، فذهبت مؤثرا السلامة. - ألم تر أحدا في الدكان؟ - رأيت غلاما في العاشرة يقف في مدخلها، فسألته عن المكان الذي ذهب إليه العجل، ولكنه تراجع كالخائف، ثم جرى بسرعة حتى اختفى.
وعرض عليه جمع من غلمان الحارة، ولكنه لم يتعرف على الغلام المعني، واتجه البحث إلى معرفة القتيل الذي هب العجل للانتقام له. من كان ذلك الرجل؟ هل قتل أحد من أهل الحارة أو من أصدقاء العجل قبيل المعركة؟ كلا، لم يقتل أحد من هؤلاء قبيل المعركة، سواء بساعات أو بأيام! - أنظل ندور وندور حول أنفسنا دون أن نتقدم خطوة واحدة؟!
وإذا بالتحريات الدقيقة تقطع بأن المحور الذي دارت حوله المعركة كان في الخرابة الواقعة لقاء مقلى القللي، وإذن فمن المحتمل أن العجل جرى إلى القللي في المقلى ليعتدي عليه فنشبت معركة، واتسعت مندفعة نحو مجالها الطبيعي في الخرابة؛ وإذن، فلعل القللي هو الذي قتل الشخص الذي جاء العجل للانتقام له، ولكن كيف يؤخذ بهذا الاستدلال ولم يثبت بعد مقتل أحد قبل المعركة؟! - لعلنا نقترب من الحقيقة، وما علينا إلا أن نعثر على الخيط الذي يجمع أشتاتها.
لقد علم العجل بأن القللي قتل أو حرض على قتل شخص ما عزيز عليه، فغادر دكانه إلى المقلى لينتقم من قاتله، لم يجد المكان خاليا ولا القللي لقمة سائغة، فتدخل كثيرون بينهما، بدأت معركة، اشترك فيها كثيرون لأسباب شتى، انجر إليها عن سوء نية أو سوء فهم رجال عجرمة والمناديلي، ثم سرعان ما اجتاحت الحارة كلها، حتى أهلكت جميع من اشتركوا فيها. حدث ذلك كله انتقاما لمصرع شخص مجهول ، لم يثبت مصرعه حتى الآن؟!
Неизвестная страница