فهزه رجل من الأعوان بعنف قائلا: احمد ربنا، واشكر سيدك!
الألم والهوان والعروس الضائعة، وها هي روائح العطارة بالجوالة ترجعك إلى الماضي أكثر مما أرجعتك العودة الحقيقية. الملاعب القديمة، ووجه زينب الذي أحببته مذ كانت في العاشرة، وطوال العشرين عاما لم يتحرك بغير الحقد قلبك. قبل ذلك لم يعرف إلا الحب واللهو، وبعد قليل، فلن أتحسر على ضياع ما ضاع من عمر، عندما أطرحك يا لهلوبة تحت قدمي، وأقول لك «طلق» .. بذلك أسترد عشرين عاما مفقودة في الجحيم، وأتعزى عن مالي الذي بعثرته على هذه العصابة، المال الذي دبرته بالشقاء والجهد والسرقة والنهب والتعرض للمهالك.
ولما لاح عن بعد قريب القبو المفضي إلى شرداحة، التفت إلى رجاله قائلا: احملوا على الأعوان، ودعوا لي الرجل، ولا تمسوا بسوء أحدا من غير هؤلاء.
لم يداخله شك في أن نبأ غزوته قد سبقه إلى شرداحة، وأنه عما قليل سيقف أمام لهلوبة وجها لوجه، ولم يعد يفصله عن هدفه إلا قبو قصير. تقدمهم في حذر، ولكنه لم يصادف داخل القبو أحدا، واندفعوا مرة واحدة وهم يشدون على عصيهم، ويطلقون صرخات مرعبة، ولكنهم وجدوا الطريق خاليا، لاذ الناس بالبيوت والحوانيت، وامتد طريق شرداحة مقفرا حتى الخلاء الذي يحده من ناحية الصحراء، وهمس صاحبه في أذنه: مكيدة! .. مكيدة وسيدي أبو العباس!
فقال شرشارة باستغراب: لهلوبة لا يستعمل المكائد!
وبأعلى صوته صاح: لهلوبة .. اظهر يا جبان!
ولكن لم يجبه أحد، ولم يخرج إلى الطريق أحد، نظر فيما أمامه بترقب وذهول وهو يتلقى تيارا من الغبار الخانق الحار، كيف يفرغ شحنة عشرين عاما من الغضب والحقد؟! ورأى باب السرجة القصير المقوس المغلق، فمضى إليه في حذر، وطرقه بعصا، حتى جاءه صوت مرتعش النبرة، وهو يهتف في ضراعة: الأمان!
فصاح بظفر: عم زهرة! تعال ولك الأمان.
ظهر وجه العجوز من كوة في الجدار أعلى من الباب، ورمى ببصر زائغ كليل. - لا تخف، لا أحد يريد لك السوء، ألم تتذكرني يا رجل؟!
نظر العجوز إليه طويلا، ثم تساءل في حيرة: من أنت يحفظك الله؟ - أنسيت صبيك شرشارة؟
Неизвестная страница