بل من بين الأشياء التي يمكنها أن تفعل وتنفعل على طريق التكافؤ كل تلك التي تكون سهلة التجزئة، حينما يختلط منها عدد عظيم بعد قليل من أشياء أخر وكمية عظيمة بكمية أقل عظما لا تنتج على التحقيق اختلاطا بل نموا للعنصر الغالب، وحينئذ أحد الشيئين المختلطين يتغير في الذي هو غالب. على ذلك نقطة من النبيذ لا تمتزج بكمية من الماء تكون عشرة آلاف ضعف؛ لأنه في هذه الحالة النوع يتحلل ويتغير بتلاشيه في كتلة الماء كلها. ولكن متى كانت الكميتان متساويتين تقريبا فحينئذ كل عنصر يفقد من طبعه ليأخذ من طبع العنصر الذي هو أغلب؛ فالمزيج لا يصير واحدا منهما مطلقا، بل يصير شيئا وسطا ومشتركا.
9
فبين إذن أنه لا يكون اختلاط إلا حينما تكون الأشياء التي تفعل لها مقابلة ما بينها؛ لأنها إذن يمكن أن تقبل تأثيرا ما بعضها من بعض. ومن الأشياء الصغيرة ما يزيد اختلاطها بالأشياء الصغيرة باقترابها منها؛ لأنها حينئذ تتدخل بأسرع وبأسهل بعضها في بعض، ولكن كمية كبيرة تحت فعل كمية كبيرة أيضا لا تنتج هذه النتيجة إلا مع الطولي.
10
على ذلك بين الأشياء القابلة للتجزئة والمنفعلة، الأشياء التي تتحدد بسهولة يمكنها أن تختلط؛ لأن هذه الأشياء تنقسم بلا عناء إلى أجزاء صغيرة، وهذا إنما هو بالتحقيق ما يعني بقولنا تتحدد بسهولة. مثال ذلك السوائل من بين جميع الأجسام هي الأكثر قابلية للمزج؛ لأن السائل من بين الأشياء القابلة للتجزئة هو الذي يتعين ويتحدد بأسهل ما يكون بشرط ألا يكون دبقا؛ فإن الأجسام الدبقة لا تزيد على أن تصير جملة الحجم أضخم وأعظم، ولكن حينما يكون أحد الشيئين المختلطين هو وحده المنفعل أو أنه يكونه كثيرا، وأن الآخر يكونه قليلا جدا، فالخليط الناتج من الاثنين إما ألا يكون أعظم ألبتة أو لا يكاد يكونه. وهذا هو ما يقع بالنسبة للقصدير مختلطا بالنحاس؛ لأنه يوجد بعض أجسام حائرة بعضها بالنسبة للبعض الآخر وهي تكون من طبع مشكل. فيمكن أن يلاحظ أن تلك الأجسام لا تختلط إلا اختلاطا ناقصا وإلى حد معين؛ فقد يقال إن أحدهما هو مجرد مأوى في حين أن الآخر هو الصورة، وهذا على التحقيق هو ما يحصل بالنسبة لهذين الجسمين اللذين سميا آنفا؛ لأن القصدير الذي هو كمجرد تغيير للنحاس بدون مادة يكاد يتلاشى بالتمام وينعدم بالخليط الذي لا يعطيه إلا لونا ما، وتحصل الظاهرة عينها أيضا بالنسبة لأجسام أخرى.
11
فيرى إذن بحسب جميع التفاصيل المتقدمة أن الاختلاط ممكن، وأنه هو ما هو، ويرى كيف يكون وما هي الأشياء التي بينها يمكن أن يحصل، وهي تلك التي يمكنها أن تقبل فعلا بعضها من قبل البعض الآخر، والتي هي قابلة للتحديد بسهولة وقابلة للتجزئة بسهولة. وإن الجواهر من هذا القبيل ليست تفسد ضرورة في الاختلاط، ولكنها لا تبقى فيه بعد مطلقا بأعيانها، فإن اختلاطها ليس مجرد ضم، وأن الجسمين لا يكونان بعد مدركين بالحواس. ولكن يقال على شيء إنه مختلط متى كان وهو مستطيع أن يتحدد بسهولة يمكنه أن يفعل وينفعل معا، وإنه يختلط بشيء له أيضا هذه الخواص أعيانها؛ لأن الشيء المختلط لا يكونه ألبتة إلا بالإضافة إلى شيء يكون وإياه من المتفقة أسماؤها (هو مونيم). والحاصل أن الاختلاط هو اجتماع الأشياء المختلطة مع استحالة لها.
12
هوامش
الكتاب الثاني
Неизвестная страница