ومع ذلك، فلم تدرس أيضا بعد مسألة الاختلاط ولا أية واحدة من المسائل التي من هذا القبيل، ولا مثلا مسألة معرفة كيف تفعل الأشياء وتنفعل، وكيف أن شيئا بعينه يفعل الأحداث الطبيعية وآخر بعينه ينفعل بها.
3
لما لم يهتم ديمقريطس ولوكيبس إلا بصور العناصر استخرجا منها استحالة الأشياء وكونها. وعلى هذا فمن انقسام الذرات ومن اتحادها يأتي الكون والفساد، ومن ترتيب الذرات ووضعها تأتي الاستحالة. ولكن لما كان هؤلاء الفلاسفة يحسبون الحقيقة في مجرد الظاهر، وكانت الظواهر متضادة ولامتناهية بالعدد معا اضطروا أن يجعلوا أشكال الذرات لامتناهية أيضا بحيث إن الشيء الواحد يمكن أن يظهر ضد ما هو لنظر هذا الرائي أو ذلك تبعا لتغيرات وضعه، ويظهر متغير الصورة بمجرد أن تختلط به أو تزاد عليه أصغر جزئية أجنبية. ويظهر أنه صار غير ذاته جملة بتغير موضع جزء واحد من أجزائه. ذلك كما أنه يمكن أن تستخدم الحروف بعينها لتأليف مأساة أو فكاهة حسبما يختار.
4
ولكن لما كان كل الناس من غير استثناء تقريبا يعتقد بوجه العموم أن كون الأشياء واستحالتها هما ظاهرتان مختلفتان جدا، وأن الأشياء لتكون أو لتفسد يجب أن تتحد أو تنفصل في حين أنها تستحيل بتغيرات في خواصها، وجب علينا من أجل ذلك أن نقف على هذه المسائل التي يعرض منها في الواقع صعوبات حقيقية متعددة. إذا لم يجعل كون الأشياء - مثلا - إلا اتحادا فإن لهذه النظرية طائفة من النتائج غير القابلة للتأييد، ولكن هناك براهين أخرى قاطعة على صحة المعنى المضاد، ومن الصعب جدا نقضها، تثبت أن كون الأشياء لا يمكن أن يكون شيئا آخر إلا مجرد اتحاد، وأنه إذا كان الكون ليس اتحادا فمن ثم لا يوجد كون أصلا، وأنه ليس إلا استحالة. لذلك يجب أن نعالج حل هذه الصعوبات مهما كانت خطورتها.
5
النقطة الأصلية في ابتداء هذه المناقشة هي معرفة ما إذا كانت الأشياء تكون وتستحيل وتنمو أو تعاني الظواهر المضادة لهذه الظواهر بسبب وجود ذرات، أعني أعظاما أولية غير قابلة للقسمة، أو ما إذا كان لا يوجد أصلا أعظام غير قابلة للقسمة. هذه النظرية هي من الخطورة بالمكان الأعلى. ومن جهة أخرى بفرض وجود الذرات يمكن أن يتساءل أيضا عما إذا كانت - كما يريد ديمقريطس ولوكيبس - هذه الأعظام غير المنقسمة هي أجسامنا، أو ما إذا كانت مجرد سطوح كما ذكر في طيماوس.
6
ولكن من غير المعقول، كما بينا في غير هذا الموضع، أن نجاوز بتحليل الأجسام إلى حد تصييرها سطوحا. وعلى ذلك يكون أقرب إلى المعقول بأن الذرات هي أجسام. على أني لأعترف أن هذا الرأي هو أيضا قليل الشبه بالمعقول. ومع ذلك يمكن في هذا المذهب كما قد قيل أن تفسر استحالة الأشياء وكونها بتبدل الجسم الواحد تبعا لدورانه أو لتماسه أو تبعا لاختلاف أشكاله. ذلك ما يفعل ديمقريطس، وهذا هو الذي أدى به إلى إنكار حقيقة اللون ما دام اللون في عرفه إنما يكون من حركة الأجسام حول مركزها. ولكن الذين يقبلون قسمة الأجسام إلى سطوح أولئك لا يمكنهم بعد ذلك أن يدركوا اللون؛ لأنه بجمع السطوح ذوات السعة بعضها مع بعض يمكن الوصول فقط إلى تكوين جوامد، ولكن لا يمكن الوصول إلى إيجاد أي كيف جسماني.
7
Неизвестная страница