فيما يظهر على ما يقول هيلير قليطس، والتي مع كون فيلولاوس أذاعها لأول مرة بعد ثلاثة أو أربعة قرون من وضعها كان يطلبها أفلاطون بأغلى ثمن.
أما بوليقراطس الذي شاطر في أسباب تعليم فيثاغورث، فإنه لقي حتفه على أسوأ ما يكون بعد سنين قلائل من اعتزال الحكيم سموس التي صارت أحط من أن تكون وطنا له؛ ذلك بأن أورطيس الذي رسمه قيروش مرزبانا على سرديس حاول أن يوسع سلطان الفرس ويدخل الجزائر تحته، فعزم على أن يوقع بالطاغية الذي أتى سموس الواقعة أمام حكومته قوة ومنعة، فأرسل إلى بوليقراطس سرا رسولا يخبره عنه بأنه مهدد شخصيا بغضب قمبيز البالغ حد الصرع، وأنه يريد أن يودع ماله مكانا أمينا ويرجو السيد أن يقبل إيداعها عنده، ولكيلا يتظنن في قوله طلب إليه أن يرسل ثقة له ليريه خزائنه المملوءة بالذهب المضروب، على شريطة أن يبقي نصف المال للمرزبان والنصف الثاني يكون لبوليقراطس ينفقه على مشروعاته الواسعة المدى إلى حد فتح إغريقا كلها.
لم يطق شره بوليقراطس صبرا، فأرسل أمين أسراره مندريوس إلى «سرديس» ليحقق خبر كنوز أورطيس الذي خدع الرسول وأراه صناديق مملوءة حجرا مغطاة سطوحها بالذهب، فرجع الرسول إلى سيده وقرر له ما رأى، ففرح بوليقراطس وعول على أن يذهب بنفسه لإحضار الذهب، وعبثا حاول أصحابه وعائلته منعه، حتى لقد كان منه أن هدد ابنته بألا يزوجها إلا بعد زمن طويل حين تشبثت بمنعه وقت ركوبه الفلك. ومضى وفي صحبته عرافه المدعو هيلي الذي لم يصل علمه إلى كشف هذه الأحبولة. فلما وصل إلى حيث ينتظره أورطيس أمر الغادر بالقبض عليه وصلبه. ومع أن هيرودوت لم يكن به مظنة ضعف للطغاة فإنه رثى لحال بوليقراطس الذي كان من العبقرية والسؤدد بحيث لا يستحق هذه الميتة الشنعاء.
وكان في معية بوليقراطس في هذه السفرة المشئومة - غير ذلك العراف المغفل - ديموكيد الطبيب الشهير من قروطون الذي وقع هو أيضا بهذه الأحبولة في الرق، ثم دعي بعد ذلك بقليل إلى بلاط دارا ليعالجه من التواء مفصلي أصابه، وذلك حين أمر دارا مهلك المجوس بقتل أورطيس لارتكابه فظائع لا مصلحة في ارتكابها.
13
لما خلت سموس من بوليقراطس لم تستأخر عن الوقوع في قبضة الفرس؛ لأن الطاغية لما ذهب إلى حيث لقي حتفه كان قد خلف على الجزيرة أخاه مندريوس الذي هو أقل كفاية من أن يلي الحكم، وجاءت جنود أوطانيس المرزبان الجديد تحت قيادة سيلوسون أخي بوليقراطس الذي نال حظوة عند دارا بسبب أنه عرفه في مصر حيث منفاه، فهرب مندريوس وترك الجزيرة، فتولى أخوه شاريلاوس قيادة الحامية، وبعد مقاومة عنيفة سقطت الجزيرة في أيدي الفاتحين، ودخلها سيلوسون فوجدها خلوا من سكانها.
ولما انتصر دارا على بابل بفضل إخلاص زوبير وجه قواه إلى محاربة السيتيين، فصنع له مندروكليس المهندس السموسي القنطرة المشهورة التي عبر عليها جيشه بغاز البسفور، وهي قنطرة من المراكب لم يكن طولها أقل من أربع غلوات؛ أي نحو 800 متر، ولا بد أن يكون اتخاذ مثل هذه القنطرة من أصعب ما يكون، وكانت واقعة - على رأي هيرودوت - بين بيزنطة وبين معبد قائم على مصب البسفور. ولكي يخلد هذا الملك العظيم ذكرى هذا العمل أغدق على المهندس السموسي نعمه، وأقام عمودين على جانبي الشاطئ كتب عليهما باللغتين اليونانية والآشورية. وقد رسم مندروكليس في معبد جونون لوحة تمثل القنطرة وجيوش الفرس تعبر فوقها تحت نظر دارا جالسا على عرشه. وقد شفع دارا جيشه البري بأسطول عظيم يقوده اليونان والأيوليون وفريق من أهل هلسبون، وأمر الأسطول أن يدخل البحر الأسود، ثم يدخل مجرى الدانوب ونهر الاستر، ويقيم قنطرة على النهر في محل تفرعه الأول إلى عدة فروع. واتجه دارا بجنوده في البر من تراقيا إلى تلك النقطة، وكانت عدة جنوده البرية سبعمائة ألف مقاتل وعدة سفن أسطوله ستمائة سفينة، وكانت هذه الجيوش البرية والبحرية مؤلفة من جميع الأمم التي تشملها مملكة الفرس المترامية الأطراف من شواطئ آسيا الصغرى إلى الهندوس.
وتقدم الملك العظيم - على بعد الشقة وصعوبة المسالك - في طريقه بين تلك الأمم الجافلة التي كانت تولي الأدبار أمامه وتستدرجه شيئا فشيئا إلى مفازاتها الواسعة وتلك المهامه التي لا تجاز، كما وقع في أيامنا هذه لفاتح آخر ليس أكثر منه بصرا بالعواقب ولا أقل منه نحسا في الطالع. وقد عني دارا في انتصاراته الموهومة بأن يقيم في طريقه أعلاما وأعمدة نقش عليها بالعبارات الفخمة: «إخضاع الجيتيين». وكان يبني آثارا سهلة البناء؛ فإنه أمر بأن يلقي كل جندي من جيشه العرمرم وهو سائر حجرا في مكان معين، فيجتمع من هذه الحجارة أكمة عظيمة يخيل أنها هرم.
ولقد وجد جيش دارا حتى في هذه المجاهل بعض آثار النفوذ الإغريقي، فإن أولئك الرحل الذين كانوا يعبدون «ذالمكسيس» الذي كان - كما يقال - عبدا لفيثاغورث بن منيزارخس في سموس، والذي بعد أن صار حرا وغنيا عاد إلى مواطنيه بشتات من المدنية الهلينية؛ إذ نقل إليهم شيئا من عقائد سيده العالم، غير أن هيرودوت لم يقبل هذه الرواية، وردها بأن «المكسيس أوغيبليزيس» كان أقدم من فيثاغورث بكثير، وأن فيثاغورث أعجب بحكمته العالية،
14
Неизвестная страница