لكن كيف يمكن أن يلتمس المرء في كلام الغير شيئا لم يكن هو نفسه قد تصوره؟ هل يتفق بالمصادفة أن توجد دلالة أخرى، تعطيك فكرة الشيء إن لم يكن لونه حينما يرى وصوته حينما يسمع؟ لأن المبدأ ها هنا على رأي غرغياس ليس هو لا الصوت ولا اللون، بل هو مجرد الكلام، فلا يفتكر الإنسان لونا بل يراه، ولا يفتكر صوتا بل يسمعه.
88
لتفترض - إذا شئت - أن ذلك ممكن، وأن الذي يتكلم يعلم الشيء وعند الحاجة يمكنه أن يعرفه كيف أن الذي يسمع الكلام يكون موقنا بأنه يفهم الشيء بعينه على هذا النحو؟ لأنه ليس ممكنا أن يكون الشيء بعينه في آن واحد في كائنات عدة وفي كائنات منفصلة؛ لأنه حينئذ يكون الشيء الواحد عدة. يقول غرغياس: ولكن شيئا واحدا ولو كان في آن واحد في عدة أذهان وكان فيها هو بعينه فلا شيء يمنع أنه يظهر متماثلا عند جميع الأشخاص الذين هم أنفسهم ليسوا متماثلين في الظاهر، والذين هم ليسوا على استعداد واحد بعينه.
89
لنسلم أيضا أنهم في استعداد واحد، أفلا يكونون إذن اثنين بالأقل أو عدة؟ ولكن الشخص بعينه ليس له في الوقت الواحد إحساسات متشابهة؛ فإن سمعه وبصره يعطيانه إحساسات مختلفة، والإحساسات التي به في الحال هي مغايرة لإحساسات سابقة؛ فباطل إذن أن تظن أن غيرك يمكن أن يكون له إدراكات شبيهة بإدراكاتك في أي شيء كان.
90
على هذا لا يمكن العلم بشيء ما مع التسليم بوجود شيء ما، خصوصا أنه لا يمكن ألبتة للإنسان أن يعلم غيره ما يعلم هو؛ لأن الأشياء ليست أقوالا، وإنه لا شخص يمكنه ألبتة أن يفهم بالضبط ما يفهمه شخص آخر.
91
كل هذه المسائل المحيرة قد أثارها فلاسفة آخرون أقدم عهدا. وسندرس هذه النظريات عند البحث الذي سنعقده لمذاهبهم المختلفة.
92 (4) قطع من ميليسوس
Неизвестная страница