ولما كان واحدا وجب أن يكون متشابها في جميع أجزائه؛ لأنه إذا كان غير متشابه فبهذا وحده لا يكون بعد واحدا، ولما لم يكن واحدا كان كثرة. ولما كان الواحد أزليا لا قابلا لأن يقاس، متشابها في جميع أجزائه، وجب أن يكون غير متحرك؛ لأنه لا يمكن أن يتحرك إلا في شيء ينطلق أمامه، ولكن الانطلاق لا يمكن أن يكون إلا للذهاب في الملء أو في الخلو؛ فمن جهة الملء لا يمكن بعد أن يقبل شيئا ومن جهة أخرى الخلو نفسه ليس شيئا.
4
لما كان الواحد هو ما قلنا آنفا ينتج من ذلك أنه لا يمكن أن يلحقه تعب ولا ألم، ويجب أن يكون سليما وبغير مرض. كما أنه لا يمكن أن يغير وضعه ليتخذ أحسن منه، ولا أن يتحول ليأخذ نوعا آخر، ولا أن يختلط بشيء آخر. وفي كل هذه الأوضاع الواحد يصير كثرة وإذن يكون اللاموجود هو المتولد، والموجود يكون هو الذي قد فسر بالضرورة.
5
وكل هذا محال مطلقا. وفي الحق إذا كان الواحد مقولا على الخليط لأنه تألف من عدة أشياء، فيلزم حينئذ أن يكون مسبوقا بوجود عدة أشياء، وإن هذه الأشياء تكون قد تحركت بعضها نحو الأخرى. وليس الاختلاط في الواقع إلا تركب عدة أشياء في شيء واحد، أو إنما هو كجمع بين الأشياء المختلطة عن طريق التصنيف. وعلى هذا النحو قد تختلط الأشياء لأنها تنفصل بعضها عن الأخرى. ولما أن هذا الجمع يحصل في سحق الأشياء، فقد يجب أن يوجد جليا كل واحد منها برفع الأشياء الأولى التي اختلطت باقترابها بعضها من بعض، وليس توجد واحدة من هاتين الحالتين.
6
وهكذا على هذه الطريقة تكون الأشياء - على رأي ميليسوس - متكثرة، ولا تظهر لنا ألبتة بوحدة. وبالنتيجة لما أنه ليس ممكنا أن يكون الحال هكذا على هذا الوجه، وأنه لا يمكن أن تكون الأشياء متكثرة، فيلزم القول بأن هذا ليس إلا ظاهرا خداعا كما أنه مع ذلك يوجد كثير من الأشياء تخدع حواسنا وتغرها، ولكن العقل يؤكد لنا أن تلك الأشياء ليست موجودة، بل هو يؤكد لنا أن الموجود لا يمكن أن يكون كثرة، وأنه واحد أزلي لامتناه متشابه في جميع أجزائه.
7
وحينئذ هل تكون عنايتنا الأولى بعدم قبول كل ظاهر، وألا نثق منه إلا بما هو الأحق؟ ولكن إذا كان ما يظهر لنا أنه حق ليس صحيحا ولا يستحق على ذلك تصديقنا، فقد نحسن صنعا بعدم قبول هذه القاعدة أيضا: أنه لا شيء ألبتة يمكن أن يأتي من لاشيء؛ لأنه ربما كان هذا أيضا واحدا من تلك الآراء القليلة الصدق والكثيرة العدد التي نحن جميعا قد تصورناها بواسطة إدراكات قليلة الصدق أو كثيرته.
8
Неизвестная страница