«وكان قبل سفر الحجاز في المرة الثالثة يقرئ في علوم عديدة من الفقه والأصول والكلام؟، والحديث والتفسير، وبعد العودة من الحجاز في المرة الآخرة، أفرغ أوقاته لدرس الصحاح الستة والتزم بدرسها في سنة واحدة، وكان يقرئ جامع الترمذي أولًا، ويبذل جهده فيه في تحقيق المتن والإسناد، ودفع التعارض، وترجيح أحد الجانبين، وتشييد المذهب الحنفي، ثم يقرئ الكتب الآخر «سنن أبي داؤد» فصحيحي البخاري ومسلم، فالنسائي، فابن ماجة سردًا مع بحث قليل فيما يتعلق بالكتاب» (١).
فكان الشيخ كما فهم مما نقلناه، وتواتر عن تلاميذه، يقدم تدريس «جامع الترمذي» على سائر كتب الحديث، ويفيض في الشرح والإيضاح، ويذكر ما فتح الله به عليه، وأدت إليه دراسته وممارسته للفن، وتعمقه فيه، ويتوسع ما لا يتوسع في غيره، وكان مما أكرمه الله به، القول المتين الفصل بعبارة وجيزة، قليلة المباني، كثيرة المعاني، مؤسسًا على دراسة عميقة للفقه وأصول الفقه، ومناسبة فطرية بصناعة الحديث، والتمسك بلباب المقصود، بعيدًا عن الافراط والتفريط، والتوسع في نقل أقوال السلف وحججهم، مستعينًا في ذلك بما امتاز به من بين أقرانه من سلامة ذوق، وصفاء حسن، واقتصاد في النقد والمحاكمة، وحسن ظن بالسلف، والتماس عذر لهم، وتواضع ظاهر.
وقد قيد هذه الإفادات والتحقيقات تلميذه النجيب النسابغ الوفي الشيخ محمد يحيى بن محمد إسماعيل الكاندهلوي (م ١٣٣٤ هـ) حين حضر هذا الدرس الحافل سنة ١٣١١ هـ، وكانت له (كما جاء في تقديم كاتب هذه السطور لمقدمة أوجز المسالك) ملكة علمية راسخة، يتوقد ذكاءًا وفطنة، وكان شيخه عظيم الحب كثير الإيثار له، قد اتخذه بطانة لنفسه، وراوية علمه، وكاتب رسائله، فقيد دروس الشيخ، ودون أماليه، ونقحها وحررها.
_________
(١) ج ٨ ص ١٤٩ - ١٥٠.
1 / 7