إذا أفتى مفتي مصر الدكتور أحمد الطيب بأن الزوجة وحدها التي تعاقب في جريمة الزنا والخيانة الزوجية، وأن الزوج لا يعاقب إن قام بالجريمة ذاتها، فهل يكون حكمه هذا حكما أخلاقيا أم إسلاميا؟
ورد هذا السؤال في عقلي وأنا أقرأ الصحف المصرية في 8 تموز (يوليو) 2002، عما حدث في مجلس الشعب (البرلمان) في اليوم السابق عند عرض مشروع جديد لتعديل قانون العقوبات من أجل معاقبة الزوج على جريمة الزنا بالحبس لمدة لا تزيد عن سنتين، وقد أرسل المشروع إلى المفتي الذي تشاور فيه مع «مجمع البحوث الإسلامية» التابع لمؤسسة الأزهر، ثم جاء حكمه برفض المشروع، لماذا؟ لأن الأصل في القضية هو تجريم الزنا «وهذا المشروع يتعلق بموضوع لم يجرم أصله في القانون، وهو جريمة الزنا، كما جاءت به النصوص الشرعية، وبناء عليه فإن دار الإفتاء المصرية ترى عدم الموافقة على المشروع (عدم الأخذ بالاقتراح الوارد) لارتباط الرأي الشرعي في المشروع بتجريم الأصل، وهو جريمة الزنا.» هذا هو نص ما قاله المفتي ردا على المشروع.
خلال المناقشات داخل مجلس الشعب رفضت وزارة العدل المشروع بحجة أن الزوج له الحق في تعدد الزوجات؛ ولذلك يمكنه أن يتزوج المرأة التي ضبطتها زوجته معه، لكن هذه الحجة باطلة قانونا؛ لأن القانون يلزم الزوج إبلاغ زوجته الأولى بزواجه من امرأة أخرى.
لقد تخرج أبي في الأزهر ودار العلوم والقضاء الشرعي، وقد اشتغل قاضيا شرعيا بعض الوقت، وحكم ضد الأزواج الخائنين، وكان يقول: الخيانة ليست من الأخلاق الرفيعة أو الإسلام الصحيح؛ لأن المسئولية تتناقض مع الخيانة، لأن الحرية تعني المسئولية وليس الفوضى.
في مصر اليوم حملة كبيرة من أجل النهوض بالتربية والتعليم، وقد أصبحنا نشهد كل يوم مظاهر التدهور الأخلاقي أو الفساد داخل الأسرة أو خارجها في المجتمع المصري أو المجتمع الدولي، وهل هناك فساد أكثر من ذلك الفساد الدولي الذي يتبنى الازدواجية الأخلاقية، فيعاقب العراق مثلا بالحرب أو بالعقوبات الاقتصادية على حين يبرئ إسرائيل التي تذبح الشعب الفلسطيني أمام أعيننا كل يوم؟
إن مبدأ الأخلاق الصحيحة هو العدل، وهو المسئولية وهو الحرية، باعتبار أن الحرية والمسئولية لا ينفصلان، وأين هي المسئولية في حالة الزوج الذي يخون زوجته ثم يخرج بريئا؟ أليس في ذلك إهدار للأخلاق، بل إهدار للأسرة وتشجيع الرجال على عدم المحافظة عليها؟
وهل تكون المرأة هي المسئولة الوحيدة عن الأخلاق وعن الحفاظ على الأسرة على رغم أنها لا تملك أي سلطة ويملكها الرجل؟!
قرأت في جريدة «الأهرام» «8 تموز (يوليو) 2002» عن تلك الزوجة المصرية التي منحت زوجها كل مالها ليخرج من أزمته المالية، وأخلصت له ثلاثين عاما، إلا أنه تنكر لها وتزوج فتاة صغيرة السن، وطرد الزوجة إلى الشارع بلا مأوى، مع ذلك خرج هذا الزوج بريئا في نظر القانون؛ لأن الزوجة لم تأخذ إيصالا مكتوبا من زوجها عن مالها؛ لأن القانون لا يحمي المغفلين الذين يجهلون القانون، وخرج الزوج بريئا أيضا في نظر رجال الدين، باعتبار أنه يمارس حقه الشرعي في تعدد الزوجات.
وفي الوقت الذي يتم فيه التساهل الأخلاقي الشديد مع الرجال إلى حد الفوضى وعدم المسئولية، فإن التشديد والتزمت هما من نصيب النساء فقط، وفي الوقت الذي يتمسك فيه رجال الدين بحرفية الشرع فيما يخص المرأة، فإنهم يتساهلون مع الرجل تحت اسم الاجتهاد وإعمال العقل.
وفي جريدة «الأهرام» (28 حزيران (يونيو) 2002 ص36) يعلن المفتي أن وجود حجاب المرأة المسلمة في الثوابت الشرعية، وليس فيه اجتهاد أو إعمال للعقل، لماذا؟ لأن حجاب المرأة يدخل في إطار التوجيه الإسلامي العام المؤسس على مراعاة الفطر المستقيمة والأخلاق، وهل غطاء الرأس دليل الأخلاق، أم استقامة السلوك والأفكار؟ ولماذا لا يحكم المفتي بالمثل فيما يخص جريمة الزنا للرجال؟! وهل تدخل جريمة الزنا أو خيانة الزوج لزوجته في إطار الأخلاق أو التوجيه الإسلامي العام؟ (الذي يساوي بين الرجل والمرأة التي ضبط معها! ألا يشبه ذلك تبرئة الرجل الذي يغتصب فتاة إذا تزوجها؟!)
Неизвестная страница