قلنا: فقد يمكن أن يفعل هذه الملحد ومن لا يعرف الصانع لا تدينا بل لأجل الاعتبار ومعاشرة الناس واستصلاح المعيشة، وقد يمكن أن يقوم التقليد مقام المعرفة في اللطف فيها، وكثير من الخلق ليس عنده وديعة ولا دين ولا يكون من جهة ظلم ولا كذب إلا نحو ما يصدر مثله من بعض المسلمين، فلا تجب المعرفة حينئذ.
وإن قلتم: لطفا في أداء الواجبات الشريعة.
قلنا: الواجبات الشرعية لا تجب إلا بعد معرفة الرسل وصدق المبلغ، فكيف يعلل إيجاب الأصل بالمحافظة على الفرع الذي لا يجب إلا بعد ثبوت أصله،وقد علل أبو علي وجوب معرفة الله في أحد قوليه بأن في تركها جهل به تعالى والجهل به قبيح، وهذا لا يكفي في الدلالة حتى يعرف الوجه الذي لأجله قبح الجهل به تعالى لأن ليس كل جهل قبيح لذاته، فإن العلماء بل الأنبياء يجهلون كثيرا مما يعلمه الله تعالى قال الله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء:85]، فيقال: وجه قبح الجهل بالله تعالى، أنه يستلزم الإخلال بشكره أو عدم الإلتطاف في أداء الطاعات واجتناب المحرمات فيعود الكلام إلى ما ذكرناه، واعترضه صاحب شرح الأصول وهو السيد مانكديم باعتراض آخر وهو أن قال: إن ذلك لا يستقيم، يعني إيجاب الله المعرفة بالله تعالى لقبح الجهل به تعالى إلا لو لم يمكن الانفكاك عن القبيح إلا إلى المعرفة، فأما ومن الممكن أن ينفك المرء عن القبيح لا إلى المعرفة بأن لا يفعلها ولا ما يضاددها فإنما ذكره لا يستقيم.
Страница 54