منها وخلوا سبيلها، فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها، فخرجوا وأدركوها في المكان فطلبوا الكتاب فأنكرته وحلفت، ففتشوا متاعها لم يجدوا كتابا، فهموا بتركها والرجوع، فقال علي (عليه السلام): والله ما كذبنا وسل سيفه وجزم عليها وقال: أخرجي الكتاب وإلا جردتك وضربت عنقك، وصمم على ذلك، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها فأخذه وخلى سبيلها وعادوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاستخرجه علي بقوة عزمه وتصميم إقدامه وجزمه.
ونقل الواحدي في كتابه هذا أن عليا والعباس وطلحة بن شيبة افتخروا، فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه، وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، وقال علي (عليه السلام): ما أدري ما تقولان، لقد صليت ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد، فأنزل الله تعالى : أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله إلى أن قال: الذين آمنوا وهاجروا (وجاهدوا) في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون إلى قوله: أجر عظيم [1]. فصدق الله عليا في دعواه وشهد له بالإيمان والمهاجرة والجهاد، وزكاه ورفع قدره بما أنزل فيه وأعلاه، وكم له من المزايا التي لم يبلغها أحد سواه.
فأما مواقف جهاده ومواطن جده واجتهاده، ومقامات جداله بألسنة الأسنة وجلاده فمنها ما كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومنها ما تولاه على انفراده فمن ذلك ما كان على رأس ثمانية عشر شهرا من قدومه المدينة، وعمره إذ ذاك سبعة وعشرون سنة.
غزوة بدر
التي هدت قوى الشرك وقذفت طواغيته في قليب الهلك، وبينت الفرق بين الحق والإفك، ودوخت مردة الكفار، وسقتهم كاسات الدمار والبوار، ونقلتهم من القليب إلى النار، فيومها اليوم الذي لم يأت الدهر بمثله، وفضل الله فيه من أحسن فضله، أنزل الله فيه الملائكة لنصر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) تفضيلا له على جميع رسله، وخصه فيه من إعلاء قدره بما لم ينله أحد من قبله، وغادر صناديد قريش فرائس أسره وقتله،
Страница 187