من حقه، إلى معاوية واستمراره على بغيه، وعنقه [1] في سبل غيه، ومكابرته الحق اللائح، وتنكبه الجدد الواضح، وعدوله عن السنن، وبقائه على غمط حق أبي الحسن، وكيف تستر الشمس بالنقاب، أو يقاس الشراب بالسراب، فإنه قد أبان في هذا الحديث عن عدة أمور تدل على بهتانه، وتنبئ أنه ثنى عن الهدى فضل عنانه، وركب هواه جامحا في باطله تابعا لشيطانه، وملك حب الدنيا قلبه فقاده في أشطانه، وصدفه عن الآخرة فما تخطر على قلبه ولا تجري على لسانه.
وبيان ذلك أنه قد يغلب على الإنسان هواه عند ميل نفسه إلى أمر ما فيعمى عن الحق ويضل عن الصواب، ويترك الهدى كما قيل: حبك الشيء يعمي ويصم، فلا يزال خابطا في جهالته، راكبا لهواه، متبعا ميل نفسه، حتى إذا بلغ غرضه ونال منيته، وسكنت دواعيه الهائجة، وقرت نفسه التواقة الشائرة، راجع الحق وعرفه، ولام هواه وعنفه، واسترجع وندم وأضرب عن ذلك الأمر ونسيه أو تناساه، وأحب أن لا يذكر ولا تجري به الألسنة، وسكت من عساه يفيض فيه وبكته، وعادى من أعاده وردده ونكبه، وعرف أنه كان مخطئا غير مصيب، وتعلل بأنه جرى القضاء وفات الأمر ونفذ السهم.
وهذا معاوية كان أعرف الناس بفضل علي (عليه السلام) وشرفه واستحقاقه هذا الأمر ومكانه وقرابته من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فغلب حب الدنيا معرفته، وترك حظه من الآخرة، وفعل ما فعل من حرب علي (عليه السلام) ومناصبته، وخسر الدنيا والآخرة بما أقدم عليه، ثم هو بعد بلوغه ما أراد وانتقال أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى جوار الله تعالى مستمر على ما كان عليه، لا يراقب الله ولا رسوله ولا يستحي من الصحابة ناطقا بملء فيه، أما كنت أحق وأولى بهذا الأمر من ابن عمك؟ ثم جعله الدليل على استحقاقه كون ابن عمه عثمان، وهل هذا إلا جهل محض أو تغاب عن الحق، وقوله لسعد: لم تعرف حقنا من باطل غيرنا استهانة بالله ورسوله، واستخفاف بجلة الصحابة وجرأة على قول المحال، ثم انكاره ما أورده سعد حتى سأل عنه أم سلمة، وهذا القول وأمثاله من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حق علي (عليه السلام) أشهر من فلق الصباح، ثم حلفه أني لو سمعت هذا لكنت خادما لعلي حتى أموت، وبداية العقول تقتضي كذبه وفجوره، فإنه عرف من فضل علي أكثر من هذا،
Страница 155