نظرني، ثم لم ألبث إلا يوما، أو بعض يوم، حتى أسام بأنجس السوم، ويعاد على بعد الثناء باللوم، فحينئذ أعود يابسا، ومن النضارة آيسا، فيأخذنى أهل المعانى، ومن كان للحكمة يعانى، فتفشى بي الأورام الفاشية، وتلين بي الآلام القاسية، وتلصف بى الطبائع العاتية، ويدفع بي الأدواء العادية، والناس يتنعمون بيابسى ورطبى، جاهلون بعظم خطبى، غافلون عما أودع فىَّ من حكم ربى، ولسان الحال يقول عنى بلا ضجر، فإنى لمن تدبرنى عبرة لمن اعتبر، ونذكرة لمن ادّكر، وفىَّ مزدجر لمن ازدجر، حكمة بالغة فما تغنى النذر، وفى ذلك أقول:
وَلَقَدْ عَجِبْتُ مِنَ البَنَفْسج إِذْ غَدَا ... يَحْكِى بأوْرَاقٍ على أغْصَانِهِ
جَيُشًا طَوارِقُهُ الزَّبَرْجَدُ رُضِّعَتْ ... أحْجَارُ يَاقُوتٍ عَلَى خِرْصَانِهِ
فَكَأَنَّما أعْدَاؤهْ بِجِلاَدِهِ ... شِيلَتْ رءوسُهُمُ على عِيدَانِهِ
1 / 62