Сколько лет гневу? Структура и кризис арабского ума
كم عمر الغضب؟: هيكل وأزمة العقل العربي
Жанры
إن هيكل لم يدرك النتائج الخطيرة للكلمات التي قالها، وكل ما طاف بذهنه هو أنه كان في هذه القصة رجلا مهما، يسعى إليه وزير الخارجية الأمريكي ويختاره شخصيا للتوسط بين دولتين، إحداهما أكبر وأقوى دولة في العالم، وفي نشوة الإحساس بالسعادة الناتج عن الشعور بأهميته، لم ينتبه إلى المعاني الواضحة التي يستطيع أي عقل على قدر ضئيل من الذكاء أن يستخلصها من روايته.
وفي ضوء هذه الاعترافات الخطيرة، غير المقصودة، التي أدلى بها هيكل، ألا يشعر المرء بالإشفاق حقا على الإيرانيين الذين فتحوا له أبوابهم، وأطلعوه على أخطر وثائق السفارة الأمريكية، بعد أن خدعتهم شهرته المرتبطة بجمال عبد الناصر، ثم خرج هو من الزيارة بكتاب تضمن كثيرا من السخرية من الإيرانيين، وربما خرج بما هو أكثر من ذلك؟
إنني، إدراكا مني لحساسية هذا الموضوع عند هيكل، حرصت على ألا أستخدم نوع الألفاظ الذي يغضبه، ولكن الأهم من ذلك أنني لم آت بشيء من عندي، وكل ما فعلته هو أنني تركت هيكل يدين هيكل.
الفصل العاشر
من الذي هدم الهيكل؟
ما نوع ردود الفعل التي يمكن توقعها إزاء بحث هكذا الذي كنت أقوم به طوال الفصول السابقة؟ سأترك جانبا ردود الفعل الإيجابية الممكنة، وأركز حديثي على ردود الفعل السلبية.
إن هناك فئة غير قليلة من القراء تفكر على النحو الآتي: ما دام هيكل قد أساء إلى السادات، وما دام هذا الناقد (كاتب هذه السطور) قد استهدف كشف أخطاء هيكل، إذن فنقده مفيد في الانتقام من هيكل لصالح سياسة السادات.
وهناك فئة أخرى، ربما كانت أكثر عددا، تنظر إلى المسألة بالطريقة العكسية: بما أن هيكل قد فضح عهد السادات، وهو عهد غير وطني، إذن فلا بد من الوقوف إلى جانبه، أما من يهاجم هيكل في الظروف الراهنة فإنه يضعف الجبهة المعادية للسادات، بعد أن كانت قد انتعشت بظهور كتاب هيكل، وواضح أن الأساس الذي يقوم عليه هذا النوع من التفكير هو مبدأ: عدو عدوي صديقي (عدوهم السادات وهيكل عدوه)، وتبعا لهذا المبدأ يكون كاتب هذه السطور، في انتقاده لهيكل، هو في الواقع «عدو عدو عدوهم، أي عدو صديقهم، أي عدوهم!»
ومع اعتذاري للقارئ عن هذه الألغاز اللفظية الأخيرة، فإني أجد في هاتين الطريقتين في الفهم لب الخطأ الذي أحاول منذ البداية أن أقنع القارئ بألا يقع فيه، فموقفي، كما قلت مرارا، منصب على نقد جو فكري عام، وأسلوب كامل في النظر إلى عملية الحكم، وعلاقة الحاكم بالمحكوم، وطريقة اتخاذ القرارات الحاسمة، وهذا الأسلوب أوسع نطاقا من أي فرد تحدثت عنه في هذا الموضع أو ذاك، بحيث لا يمثل هيكل وكتابه الأخير إلا حالة صارخة، حادة، قريبة العهد، من حالات ظاهرة أقدم وأوسع انتشارا وأقوى رسوخا بكثير.
وإذا كان الساداتيون، الذين ينتمي إليهم أصحاب الرأي الأول، قد قرءوا ما كتبت بإمعان، فسوف يدركون أن نقدي للعهد الساداتي ربما كان أشد حدة من نقد هيكل؛ لأنني أرجعت كثيرا من الظواهر إلى جذورها الحقيقية؛ ومن ثم فإن أية محاولة يبذلونها للإفادة مما كتبت هي، كما قلت في مقالي الأول، مرفوضة من أساسها.
Неизвестная страница