Сколько лет гневу? Структура и кризис арабского ума
كم عمر الغضب؟: هيكل وأزمة العقل العربي
Жанры
ولكن، إذا تركنا هذا الميدان الشديد الغموض، المحفوف بالمخاطر، وانتقلنا إلى التحليل السياسي المرتكز على أرض أكثر صلابة، لوجدنا أن أمريكا، إن لم تكن قد خططت لقتل السادات، فإنها حكمت عليه بالإعدام سياسيا، بعد أن استهلكته واستنفدت أغراضها منه.
فبعد أن وقع السادات معاهدة كامب ديفيد، بما فيها من بنود مفصلة، بشأن انسحاب إسرائيل من سيناء والتطبيع معها، وبما فيها من إشارات قليلة شديدة الغموض عن القضية الفلسطينية، وبعد أن ثارت ثائرة العالم العربي على هذه المعاهدة، وقطعت معظم بلاده علاقاتها بنظام السادات، كانت أمريكا تستطيع أن تسلك طريقا من طريقين:
الطريق الأول هو أن تدعم السادات وتضمن مستقبله السياسي، عن طريق إثبات صحة موقفه أمام العالم العربي، ويقتضي هذا الأمر أن تتطور الاتفاقية بحيث تصبح أكثر من مجرد صلح منفرد بين إسرائيل ومصر، أي أن تسير - كما طالب السادات مرارا - في طريق التسوية الشاملة. مثل هذا المسلك سيكون فيه إنقاذ للسادات؛ لأنه رهن مستقبله السياسي، وعلاقاته مع العالم العربي بأسره، على هذا التوقع، ولو سارت أمريكا، ومعها إسرائيل، في هذا الطريق، وحققت للسادات على الأقل جزءا مما يريد، خارج نطاق التسوية المحلية بين مصر وإسرائيل، لاستطاعت أن تعيد إليه مكانته في العالم العربي، ولأمكنها أن تربط كثيرا من البلاد العربية بعجلة الاتفاقية الجديدة.
ولكن هذا الطريق كان ينطوي، من وجهة نظر أمريكا، على عيوب واضحة: إذ إنه يؤدي إلى دفع ثمن باهظ، هو الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة بعد 1967م، وإلى توحيد البلاد العربية في خط سياسي واحد، يقوي جبهتها في المطالبة بالحقوق الفلسطينية، وقد يؤدي في المدى الطويل إلى إنشاء كيان فلسطيني على مستوى معقول، فضلا عما تؤدي إليه التسوية الشاملة، بشروط معقولة، من توفير ضخم للأموال والطاقات العربية في اتجاه التنمية والتعمير.
أما الطريق الثاني، الذي يرجح أن إسرائيل قد ألحت عليه، واستجابت لها أمريكا بعد أن اقتنعت بأنه أكثر تحقيقا لمصالحهما المشتركة، فهو عدم مجاملة السادات، وعدم بذل أي جهد من أجل إنقاذه من ورطته، ما دام قد أدى مهمته الأساسية، وعدم التنازل لبقية العرب عن شيء، هذا الطريق يتضمن من وجهة النظر الأمريكية-الإسرائيلية، مزايا عديدة: بقاء العالم العربي ممزقا وفي حالة ضعف شديد، والاستفراد بكل دولة بعد الأخرى وعزلها عن الباقين، وإخراج مصر نهائيا من الصراع العربي الإسرائيلي، وضمان حرية الحركة الكاملة لإسرائيل. وهكذا فإن مزايا هذا الطريق أعظم بكثير، من وجهة نظر جبهة الأعداء، من الطريق الآخر.
وكان الثمن الوحيد الذي ينبغي دفعه في حالة اتباع هذا الطريق الثاني، هو التضحية بالسادات ...
والآن، تخيل نفسك أيها القارئ أمريكيا مخلصا، حريصا على مصلحة بلدك وعلى ارتباطات هذا البلد بالدولة الصهيونية، التي تحقق له كل أهدافه في المنطقة، فأي الطريقين تختار؟ تهديدك لمصالح بلدك وحلفائك من أجل فرد واحد مخلص لك، أم التضحية بالفرد وبمستقبله، مهما كان إخلاصه، من أجل ضمان مصالحك وزيادة مكاسبك؟
لقد كان جواز المرور الوحيد لدى السادات أمام العالم العربي، والمبرر الوحيد لتوقيعه المعاهدة، هو أن تستمر قوة الدفع إلى أن تتحقق التسوية الشاملة، ولكن الطرف الآخر - وله كل الحق فيما فعل، من وجهة نظره الخاصة - وجدها فرصة ذهبية لتوريطه، وتركه عاريا في منتصف الطريق، فضمن المكسب وتجنب الخسارة، وهكذا، فمنذ اللحظة التي ساندت فيها أمريكا حليفتها إسرائيل في تعنتها، ومنذ اللحظة التي قررت فيها أمريكا ألا تضغط على إسرائيل إلى الحد الذي يلزمها بالسير قدما نحو التسوية الشاملة؛ منذ هذه اللحظة كانت قد حكمت على السادات بالإعدام.
ولقد أدرك هذه الحقيقة بوضوح تام السفير الأمريكي الأسبق في مصر، لوشيوس باتل، وعبر عنها بكلمات بالغة الدلالة في المقال الذي كتبه في رثاء السادات: «كلما كانت الولايات المتحدة تضغط عليه للدخول في كامب ديفيد، كانت تعرضه للخطر يزداد، فلن نقبل نحن ولا الإسرائيليون نتائج الأخطار التي كنا ندفعه إليها، ولقد كانت الطريقة الوحيدة التي كان يمكن بواسطتها أن يصبح لاتفاقيات كامب ديفيد معنى في نظر السادات، هي افتراض إمكان التقدم نحو صلح شامل. وكان من الضروري أن تظهر علامات واضحة على أن طريقه هو الصحيح، حتى يحذو العرب الآخرون في الوقت المناسب حذو السادات، وهو أمر كان يقتضي فهما من جانب إسرائيل وضغطا من الولايات المتحدة على الفريقين لتحريك مباحثات الحكم الذاتي وخفض عدد المستوطنات في الضفة الغربية، ولكن بدلا من ذلك، زادت المستوطنات، وأضيفت إهانة ضرب المفاعل في العراق وقصف بيروت، ولم تفعل الولايات المتحدة شيئا. وهكذا أصبح السادات شهيدا لنفسه وللعالم الغربي، ولكن ليس للشرق الأوسط، سواء منه العربي أو الإسرائيلي.» «لقد كانت المجموعة الأمريكية التي شيعت جنازته ضخمة إلى حد لم يعرف له مثيل من قبل، وهكذا فإننا بعد أن خذلناه حيا، قد احتضناه ميتا.»
1
Неизвестная страница