Сколько лет гневу? Структура и кризис арабского ума
كم عمر الغضب؟: هيكل وأزمة العقل العربي
Жанры
13
وفي المقال التالي يزيد فكرته إيضاحا فيقول: «إذا أردنا أن نصل بنتيجة ما حدث سنة 1967م إلى نجاح يماثل نجاحنا سنة 1956م، فإننا يجب أن نحصل على عنصرين؛ أولهما تأييد إحدى القوتين العظميين، وذلك متاح لنا بتعاطف وصداقة وتأييد الاتحاد السوفييتي، والثاني تحييد القوة العظمى الأخرى، وهي الولايات المتحدة، أو على الأقل منع تدخلها ضد مصلحتنا في الأزمة، وغير ذلك مستحيل.»
14
ثم يأتي بعد ذلك كلام أخطر: «من هنا فلقد كنت، ومازلت، أختلف مع النغمة التي تقول إن الذي نواجهه أمامنا في ميدان القتال هو الولايات المتحدة وليس إسرائيل (لاحظ أنه كان يقول بعكس ذلك تماما منذ عام)، والصحيح أن بيننا وبين الولايات المتحدة مواجهة سياسية، أو صراعا سياسيا، وهدف هذا الصراع هو الفصل بين إسرائيل والولايات المتحدة كحد أقصى، أو تحييد الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل كحد أدنى، وذلك عن طريق توجيه ضغط دولي وعربي ومصري ضد الولايات المتحدة، هذا الضغط يقنع الولايات المتحدة بأنها تواجه تقلصا مخيفا في هيبتها كقوة عظمى، والهيبة على رءوس الدول العظمى كالتيجان القديمة على رءوس القياصرة.» وبعد قليل يحدد الهدف من صراعنا مع الولايات المتحدة، بأنه «ليس هزيمتها في ميدان القتال، وإنما إخراجها، وبكل وسيلة، من ميدان القتال.» «وأقول إنني أستطيع أن أجد طريقا يقدر به الشعب المصري أن يحارب إسرائيل ويهزمها ... ولكن ذلك يتطلب أن تكون الولايات المتحدة بعيدة عن ميدان القتال.»
إن تصعيد لهجة «تحييد أمريكا» كان يزداد طوال عام 1971م، وكانت المغالطة التي ارتكبها هيكل مزدوجة؛ فبعد أن كان أيام عبد الناصر يربط بين أمريكا وإسرائيل بحيث يستحيل فصلهما، وبعد أن كان يؤكد أن هدف أمريكا الدائم والاستراتيجي هو إضعاف العرب من أجل هدمهم، أصبح الآن يقدم إلى القارئ، في جرعات خفيفة أول الأمر، ثم تزداد كميتها بالتدريج - فكرة إمكان تحييد أمريكا وإيقاف فاعليتها في مؤازرة إسرائيل، بل ويرى أن الحرب بدون ذلك مستحيلة، ولكن إذا أدركنا مدى استراتيجية التحالف بين أمريكا وإسرائيل، وإذا أدركنا أن أمريكا لا بد أن تعمل ما من شأنه منع العرب، بشتى الطرق، من أن يكتسبوا القدرة اللازمة لممارسة الضغط عليها، لوجدنا إلى أي حد تؤدي «وصفة» هيكل الجديدة «لهزيمة» إسرائيل إلى طريق مسدود.
وإلى هذه الفترة ينتمي مقال «تحية للرجال» المشهور (12مارس 1971م) الذي بالغ فيه هيكل، وكأنه جنرال خبير في ميدان القتال، في وصف الصعوبات المميتة التي سيصادفها الجيش المصري، لو حاول عبور قناة السويس التي هي أخطر مانع مائي في العالم، وتحدث عن القوة الهائلة للجيش والطيران الإسرائيليين، وكيف أن العبور يجعل جيشنا «يواجه ما لم يواجهه جيش من قبل»، ولم تكن عملية التخويف هذه إلا جزءا من السياسة الجديدة، فلم يكن من المستغرب إذن أن يثور عليه أنصار السياسة الناصرية السابقة ثورة عارمة.
ولنختتم هذا العرض لفكرة التحييد بعبارات تظهر فيها اتجاهات هيكل الجديدة، التي استدارت بزاوية 180 درجة عن اتجاهاته منذ عام واحد، بوضوح كامل: «إذا كانت إسرائيل قد انتصرت على العرب في معارك بفعل التأييد الأمريكي، فإن هذا التأييد الأمريكي ليس دائما، وإنما الدائم هو المصالح الأمريكية فقط؛ ومن هنا فإن التأييد الأمريكي ليس سلاحا أبديا في يد إسرائيل، وهذه عبرة الأيام.»
15
وفي العام التالي حدثت الخطوة الحاسمة، التي ظهرت فيها معالم السياسة الجديدة بلا مواربة، والتي تعد الكتابات السابقة تمهيدا متدرجا لها، وأعني بها طرد الخبراء السوفييت من مصر في يوليو 1972م، هنا نود أن نذكر القارئ بالاقتباسات التي تعمدنا أن نكررها من قبل، والتي تبين أن هيكل كان واعيا تماما، بأن طرد الخبراء السوفييت هو هدف السياسة الأمريكية في المنطقة، وبأننا إذا لم نواجه ذلك فكأننا «نقدم للعدو مطلبه على طبق من فضة»، ولكنه في ظل السياسة الجديدة، لا يجد أية غضاضة في أن يحمل طبق الفضة بيديه، ويبتلع كلماته ومواقفه السابقة بسهولة تامة، ويساعد «العدو» على تحقيق مطلبه بكل ما يملك من قدرة وموهبة، فحين خرج السوفييت بالفعل، لم يقل لنا هيكل كلمة واحدة عن تأثير ذلك على الولايات المتحدة إيجابيا، ولم تصدر عنه كلمة واحدة يقول فيها إننا كنا نستطيع استثمار هذا الطرد لصالحنا، كما أصبح يقول في أيامنا هذه، ولم يوجه كلمة نقد واحدة، بل إنه، على العكس من ذلك، اخترع قصة اعتقاد الاتحاد السوفييتي بوجود فراغ عقائدي في المنطقة، واستعرض، بلا مناسبة، ولمجرد التحرش بالخصوم الجدد وتمرير سياسة السادات الجديدة، تاريخ الخلافات العقائدية مع السوفييت منذ الستينيات، وكلها أمور حشرت حشرا بصورة ملفقة، إذ إن هذه الخلافات لم تمنعه، أيام عبد الناصر، من امتداح السوفييت المبالغ فيه، والأخطر من ذلك أن هيكل يذيع سرا (يؤكد أنه لم يكن سرا، وإن كان معظم الناس لم يعرفوه إلا عن طريقه) هو أن خمس طائرات سوفييتية كانت قد سقطت في يوم واحد، هو 18 أبريل 1970م،
16
Неизвестная страница