كان نابليون يقول شيئا ويفعل شيئا آخر؛ لأنه كان يرى السياسة في تلك الخطة، وعنده أن الثبات إنما هو من خصائص أهل الوسط، وكان في الحرب يرى الرجال حوله يسقطون على الأرض فلا تبدو على شفتيه هزة ولكن إذا انجلت الموقعة كان الجرحى أول من يعنيه أمرهم. ولا شك أن رجلا كهذا إنما يجمع بين الوحش والإنسان في أديم واحد؛ قال «جورجود»: لم يكن النصر ينسيه أولئك الجرحى.
داس حصان جريحا لا تزال فيه آثار الحياة، فاعتذر صاحبه بقوله إن الجريح كان من جيش العدو الروسي، فقال نابليون: «ليس بعد النصر أعداء، بل رجال!»
هذه صورة نابليون فى دخيلة نفسه مكشوفة للناس، وهو غرض هذا الكتاب؛ فموضوعه إذا الإبانة عن هذه الشخصية المركبة.
كان نابليون لا يهتم بعشرة النساء ولا مجالستهن إلا قليلا، على أن ميله وحبه العظيم لأفراد أهل بيته منهن يدلان على أنه لم يكن مجردا من عاطفة الحب الإنساني؛ فإنه كان يحترم مدام «مير» و«جوزفين» عظيم الاحترام، على أنه لم يكن لهما شأن في السياسة، كما أنهما كانتا على طبائع مختلفة اختلافا كبيرا.
كانت «ليتيتيا بونابارت» امرأة عملية تعد أكثر أهل جنسها اقتصادا، وكان نابليون يشكو من حطة ما في ردهتها من الأثاث، أما «جوزفين» فكانت مسرفة كثيرة الدين، وما كان يحلو لها وقت من الأوقات إلا ليلة تشرق بجمالها فى عرصات القصر الإمبراطوري.
و«ماري لويز» أنالته بغية قلبه، وهو الولد الذي رزق به منها.
سألته مدام «دوستيل» يوما: أي النساء أعظم؟ قال: تلك التي ولدت أكثر عدد من الأطفال. وفي ذلك دليل على أنه كان يرى المرأة نافعة على العموم؛ لأن الأولاد عنده إنما هم في الحقيقة جنود معدودون.
ذلك شأن من عاشرنه من أهل بيته، وكان غيرهن من النساء ألعوبة له في بعض ساعات الفراغ، على أنه لم يكن يهتم بأمرهن إلا قليلا، ولا يفكر فيهن إلا نادرا، ما عدا الكونتس «والوسكا» البولاندية الحسناء؛ فإنها نالت حظوة لديه لم تنلها سواها. من ذلك نستدل على أن نابليون لم يكن يجفو النساء أو يزدري بهن، بل كان له على العموم عناية بهن.
كان نابليون أسيرا فى سنت هيلانة، وكان لديه من الوقت متسع عظيم للتفكير، يشهد بذلك ما أبرزه «لاكاس» و«منتولون» و«جورجورد» وغيرهم. كان ينسى السياسة وذكرى الحروب، ويكشف عن سريرته في أقواله وأحاديثه، فيلقي على من كانوا حوله من رفقته المخلصين آراءه في الدين والسياسة، وما كان يتوقعه في مستقبل حكمه لو دام. قال أحد الكتاب منهم: «هنالك رأينا اللين يغشى قلبه، ورأينا تلك الأسوار الحديدية التي نصبها الطمع على فؤاده قد ذابت وتطايرت حتى بدا لنا قلبه كله.»
إن هذا الكتاب الذي نسميه «كلمات نابليون» مجموعة مقتبسات من كتب عدة اطلعت عليها، وقد وضعتها كذلك لعلمي أن صورة نابليون الباطنة قد فات كثيرا من الكتاب الذين هم أقدر مني أن يعنوا بها، ولكني قد محصت الأمر واستخرجت قمحه من عصافته، وأسقطت ما جاء به غير الثقات من الكتاب، فإذا استطلعها القارئ اتضح له من أمر نابليون ظاهره وباطنه ما لا يجده إلا في عديد من الكتب. ا.ه. •••
Неизвестная страница