وفي كتابه "صفوة التصوف" (١) وكتابه فِي "السماع" فضائح وتدليسات قبيحة لأشياء موضوعة [ومختلقة على بعض الأئمَّة]، وأمَّا دعواه إجماعَ الصحابة فمُجازفةٌ وتدليس، فقد روى البيهقي عن ابن مسعودٍ ﵁ أنَّه قال: «الغناء يُنبِت النِّفاق في القلب كما ينبت الماءُ البقلَ» (٢)، وقال: إنْ وقفه عليه هو الصحيح؛ أي: ومثله لا يُقال من قِبَلِ الرأي؛ لأنَّه إخبارٌ عن أمرٍ عيني، فإذا صَحَّ عن الصحابة فقد صحَّ عن النبي ﷺ كما هو مُقرَّر عند أئمَّة الحديث والأصول، وقد روى أبو داود وغيره عن ابن مسعود، وأبي هريرة ﵄ ذلك مع التصريح برَفعِه إلى النبي ﷺ وقد قدَّمت فِي المقدمة هذا الحديث وطرقه وما قيل فيه، فراجِعْه فإنَّه مهم.
ثم رأيت الأذرعي أشارَ إلى ما ذكرته أنَّ ذلك لا يُقال من قِبَلِ الرأي، فعلم أنَّ هذا الحديث قد صَحَّ عن النبيِّ ﷺ بكلِّ تقرير، وحينئذٍ فالحجَّة فيه دُون ما سواه، قال الأذرعي: وما نُسِبَ إلى أولئك الصحابة أكثَرُه لم يثبتْ، ولو ثبَت منه شيءٌ لم يظهر منه أنَّ ذلك الصحابي يُبِيح الغناء المتنازَع فيه، فالمرويُّ عن عمر ﵁ أنَّ غلامًا دخَل عليه فوجده يترنَّم ببيتٍ أو نحو ذلك فعجب منه فقال: إذا خلَوْنا قُلنا كما
_________
(١) في نقل هذا الكلام عن ابن طاهر تجنٍّ عليه، وحطٌّ من قدره؛ فإنَّ ابن طاهر في العلم أعلى كعبًا من الهيتمي والأذرعي بمفاوز وقِفار تنقطع دُونها أعناق الإبل، وإنْ كان ينتقد عليه ما ينتقد على غيره من أهل العلم، وقد ترجم له الذهبي في "السير" بكلامٍ نفيسٍ معتدل دون إفراط ولا تفريط، "السير" (١٩/ ٣٦١/ ط الرسالة).
(٢) أخرجه أبو داود (٤٩٢٧)، والبيهقي (١٠/ ٢٢٣)، وقال ابن حجر في "تلخيص الحبير" (٤/ ٣٦٦): أبو داود بدون التشبيه، والبيهقي من حديث ابن مسعود مرفوعًا، وفيه شيخٌ لم يسمَّ، ورواه البيهقي أيضًا موقوفًا.
1 / 44