وكانت «البت» امرأة واقفة ضمن الواقفين ترتدي ثوبا كان أسود ثم أحاله ساحر الحاجة إلى رمادي، وتتعصب بمنديل كالح لا يخفي إلا القليل من شعرها البني الأكرت القصير وقد تلوت نهاياته وتنافرت، وكان وجهها غامقا أسمر، وفي عينيها كحل أفسدته الدموع.
وردت تقول في ذلة: أم سكينة والبت عيوشة وبنت اختها نبوية والواد ... - مالهم؟ مالهم؟ - اتلموا علي وضربوني في بطني، آه يانا!
وفي ومضة خاطفة كانت في حالة بكاء تام، وأضافت والدموع والشهقات تختلط في حلقها: وام سكينة عضتني هنا، في كتفي وزغدتني في بطني، والبت عيوشة قلعتني الحلق.
وقهقه الصول وخشخش صوته وقال: شايف يا أستاذ؟ شايف؟ مش قلتلك؟ كله وحياتك كدب، نصب واحتيال، بقى بذمتك دي حيلتها البلى الأزرق؟ حلق ايه يا بت اللي خدوه؟ حلق حوش؟ - حلق دهب يا بيه وغويشتين.
والتفت الصول إلي وقال بلهجة ذكرتني بنجيب الريحاني: تفتكر والنبي مين المجني عليه في الحكاية دي؟ - مين؟ - أنا! أنا يافندم، ما هو الكدب العلني ده يبقى سرقة بالإكراه، ومحضرها المصيبة من صورتين، والمصيبة الكبرى إن انا اللي حاكتب الصورتين!
واستدار إلى المرأة ولسعها بنظرة كاوية فيها آثار من لمعة الضحك، وأمسك القلم وفتح دفتر المحاضر الكبير وكأنه يفتح بوابة المتولي، وقال: هاه، إلهي وانت جاهي ربنا ياخدكم وياخدني معاكم خليني استريح.
ولما انتهى من كتابة مقدمة المحضر سألها: إسمك ايه يا بت؟
ولم ينتظر أن تجيب أو يحفل بإجابتها، وواجهني مستأنفا كلامه وأنا أحس أنه يحدث نفسه أكثر مما يحدثني: أنا والنبي المجني عليه، ومش في الواقعة دي بس، في ألف واقعة، في دشليون، يمكن ما تصدقش، اتفضل، آدي دفتر الأحوال: اصطبحنا بهتك عرض في الطريق العام و592 اللي بعدها نشل حافظة نقود قال فيها قال 147 جنيه و83 صاغ وورقتين بوسطة! أقسم بالله ما كان فيها إلا الورقتين، ويمكن لجل الحلفان خمسة تعريفة كمان، واللي بعدها قال سرقة نحاس، قايلين في البلاغ إن النحاس وزنه 50 رطل ومتهمين الخدامة، حتة بت قد كده، متطلعشي كلها على بعضها عشر ترطال، وغيره وغيره، من الصبح وأنا إيدي وقفت من الكتابة، وكله ملاليم وكلام فارغ وكدب، يا شيخ فضك.
والتفت إلى المرأة يسألها: ما تنطقي يا بت، اسمك إيه؟
وقبل أن تجيب ضحك وقال كمن تذكر نكتة: واللا الجثة اللي لقيوها في الخرابة مالهاش صاحب، قصدي صاحبها مجهول، لقيوا السر الإلهي طلع منه كده لوحده ومن غير ما حد يكلمه، قوللي؟ اشمعنى نقى الخرابة دي يموت فيها؟ يعني ضاقت الدنيا في وشه؟ ماكنشي يتمشى لحد شبرا مثلا، الله يرحمه مات واتعذب أنا ليه؟
Неизвестная страница