وكان ده أول الطريق.
8
كان حمزة يتحدث وينساب التاريخ القريب من بين شفتيه ويغرق فوزية في فيض من الأحداث والمواقف والذكريات، وتتشنج أصابعه وهي تحدد وتجسد، وتتحرك أيديه ملوحة، ويتقارب حاجباه ويبتعدان، ويهتز منظاره، وترتجف نبرات صوته وترتعش وكأنها لا تنطق الكلمات فقط، ولكنها تعزف أيضا لحنا عارما يصاحب ما كان ويخلد المواقف.
وكان حديثه يملأ الحجرة بالأحداث، ويحيل الأثاث إلى مواقع، والجماد إلى كائنات حية تقاوم وتصرخ وتموت؛ ولهذا مضى وقت طويل قبل أن تكف فوزية عن تحديقها في لا شيء، وتسترد نفسها وتعود إلى الحجرة وإلى الليلة وإلى الدقي، وتنظر إلى حمزة الجالس أمامها لا يتحدث ولا يتحرك ولا تطرف عيناه.
وقالت: ياه! دا فعلا لينا تاريخ.
فرد حمزة في بطء: تاريخ وبس؟
وسبح كل في واد، ثم عادا حين قالت فوزية: أنا قلت لغاية الساعة ثمانية ودلوقتي قربت على عشرة.
وأضافت بلا حماس: لازم أروح.
وفي خطوات تعبة تكاد تتخاذل أخذت طريقها إلى باب الحجرة الذي كان مغلقا.
وفتح لها حمزة الباب وخرج الضوء من الحجرة ينير جزءا كبيرا من الصالة، وسقط النور على كرسي فيها وعلى إنسان ضخم جالس فوقه، كان بدير. - ألله، إنت هنا؟ - آه مارضتشي أزعجكو، قلت أقعد هنا أما تخلصوا.
Неизвестная страница