ثم شد جلد وجهه حتى عاد كالطبلة الصارمة، وجذب «الكاب» حتى بلغ موضعه التقليدي من جبهته تماما، وهوى على «المتسول» العجوز الواقف في أول الصف بنظرة صاعقة من عينيه، وانطلقت جعجعته المعهودة: ما تنطق يا بجم، اسمك إيه؟!
الطابور
تتشابه الأسواق في الأرياف ولا تكاد تختلف، فكل منها فضاء واسع يحده سور، وله باب، وعلى أرضه دكاكين بضاعة ذات رفوف فارغة، قد لوحت أخشابها حرارة الشمس وليالي الشتاء، ثم مصاطب مبعثرة مصنوعة من تبن يؤلف بينه طين.
ويوم السوق هو - بلا شك - أروع الأيام وأشهرها، وهو الزحمة التي تحدث كل حين مرة معلنة وكأنها ساعة بشرية هائلة انقضاء أيام سبعة، وفراغ جيوب وامتلاء جيوب، وقبض أجور واختلاس أجور، وشبع ناس وجوع ناس، وتقيس العمر.
وبعد أن ينفض السوق يبقى الفضاء لا تؤمه إلا الغربان وأسراب الخرفان والماعز الطوافة، وفرق الرياضة من التلاميذ، والمباريات وكرة القدم.
وتتشابه الأسواق في الأرياف إلا سوق السبت في تلك الناحية؛ فقد كان يتميز بظاهرة غريبة، فسوره كله كان مصنوعا من حدائد لها أطراف مدببة ما عدا جزء صغير منه لا يتجاوز المترين قد بني من الدبش والأسمنت وأحكم بناؤه.
ومن قديم والناس يختلفون في أمر ذلك الحائط الصغير.
كانوا يقولون أول الأمر: إن تحت الحائط كنزا يفتح على ديك يؤذن ذات فجر ويكون للموعود، ولكن ما لبث هذا القول أن بهت وأصبح التسليم به كالإيمان بطلوع ليلة القدر، حكاية تذكر من قبيل التمني.
ثم قالوا: إن الحائط أقيم فوق فوهة بئر كانت تتسرب منها الجن من باطن الأرض إلى ظاهرها، فأقيم الحائط ووضع فيه مصحف وبخاري وأحجبة وقطع زجاج مكسور ليمنع تسرب الجن، ولكن هذا القول كسابقه لم يعمر طويلا.
ثم شب جيل كان أقل خيالا من سابقيه رأى في الحائط الصغير تجربة كان القصد منها بناء السور كله من الدبش والأسمنت، وفشلت التجربة.
Неизвестная страница