كانت المفاجأة لا بد منها.
ونظر إلى زكريا وقالت عينه شيئا ثم توقفت، ولمعت فجأة تقول، الآن.
وتوالت الأحداث مسرعة.
في نفس اللحظة هوى حمزة وزكريا إلى الأرض فتخلصا من الأيدي التي شلتها سرعة الحركة، ثم اندفع كل منهما في اتجاه، وقبل أن يتحرك حمزة نالته صفعة قوية تريد عرقلته ولم تعرقله، فقط فجرت الدم من أنفه، ولكنه مرق بقوة اندفاع لا يمكن وقفها.
واختار الحارة الموصلة إلى شارع «الخليج»، لم تكن في رأسه وجهة معينة، كان يريد أن يجري ويجري ويبتعد بكل ما يستطيع عن ذلك المكان، وكانت أهم الأصوات التي تتلقفها أذناه هي أصوات أحذية مطارديه، لقد شعر بهم، لم يكونوا كثيرين، لقد نجح هو وزكريا إذن في جعلهم يترددون وينقسمون.
وفوجئ بأصواتهم تعلو وراءه: امسك حرامي، حلق.
ولم يكن في الحارة أناس عديدون، كانوا في شغل عنه بالدنيا والدكاكين والزبائن، ولكنهم حين كانوا يرونه قادما يلهث ورجال بملابس عادية يجرون وراءه وأصواتهم ترتفع من خلفه: امسك حرامي، كان يرى حينئذ في عيون الناس ترقبا وتحفزا، وكان لديه شبه يقين أن أحدهم سيجد بعد قليل في نفسه الشجاعة الكافية ويعترض طريقه ويمسكه؛ ولذلك انطلق صوته يجأر: أنا مش حرامي، أنا وطني.
وانفلت إلى حارة أخرى قبل أن يذهب تحفز الناس وقبل أن ينقضوا عليه، وسمع طرفا من كلمات قيلت وراءه: صهيوني. - بال شوفي. - امسك حرامي. - مش باين عليه.
وجد نفسه في شبكة غريبة من الحواري المتداخلة التي تفضي كل منها إلى الأخرى، أرضها حفر وطين، وأبوابها متقاربة، وحركة بطيئة تكاد تموت وهو المندفع وحده كالقذيفة، إلى أين؟ إلى أين؟ وأين المكان الذي يخفيه؟ أين المكان الخالي من الناس الذي يستطيع أن يأوي إليه بلا واحد يعترضه ويسد عليه الطريق ويقدمه متطوعا للبوليس؟
واستمات يجري واضعا كل ما يستطيع من قوة في ساقيه، ومع هذا كان يخيل إليه أنه لا يتحرك من مكانه، أو أنه يجري ويدفع أمامه كتلا ثقيلة مظلمة من حديد غير مرئي، ولم يكن يعرف إلى أين، كل ما يراه عيون ساهية لاهية لا تتفتح على آخرها إلا حين يجاورها، ولا يتحرك صاحبها إلا حين يكون قد ابتعد ويكون صوت مطارديه قد اقترب قائلا: امسك حرامي.
Неизвестная страница