وعلى هذا النحو من حرية ومرونة التصرف في السفن المتسكعة نجدها تنقل ما يقرب من نصف الحمولة التجارية العالمية، وتصبح منافسا خطيرا لسفن البضائع المنتظمة، خاصة في مجال البضائع التي تحتمل التأخير مثل القطن أو السيزال أو بعض المعدات الهندسية. (4) الأسطول التجاري العالمي
منذ الكشوف الجغرافية الكبرى اتجهت الدول الأوروبية إلى إنشاء أساطيل كبيرة لحماية ممتلكاتها أو تدعيمها أو الحصول على المزيد منها. وقد ظل الأمر كذلك سائدا: من يمتلك أسطولا أضخم يمكنه مواصلة استعمار مناطق أكثر، ويمكنه أن يدعم هذه الممتلكات، وفي الوقت نفسه كانت هذه الأساطيل تجارية وحربية معا. وكان العصر الذهبي لمثل هذه الأساطيل هو وقت التجارة المثلثة التي استمرت قرنين من الزمان، من منتصف القرن السابع عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر. وهذه التجارة المثلثة عبارة عن رحالات ثلاث تقوم بها السفينة لكي تستكمل دورة ربح هائلة: (1)
من أوروبا الغربية إلى خليج غانا (الساحل الممتد من السنغال إلى أنجولا الحالية)، من هناك تحمل الرقيق الأفريقي من سجون القلاع الساحلية التابعة لبريطانيا والبرتغال وفرنسا وغيرها من الدول ذات الأساطيل. (2)
تتجه السفينة إلى أمريكا الوسطى وخليج المكسيك والشاطئ الشرقي للولايات المتحدة والبرازيل، فتنزل شحنة الرقيق الأفريقي وتحمل منتجات المناطق المدارية الأمريكية من قطن وسكر وغيره بالإضافة إلى المعادن (الفضة على وجه خاص). (3)
تتجه السفينة بحمولتها عبر الأطلنطي إلى موانئ غرب أوروبا حيث تباع شحنتها من منتجات المناطق المدارية.
وكانت مكاسب السفن هائلة من هذه التجارة المثلثة، حتى إن ويليام بت - رئيس الوزارة البريطانية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر - كان يشجع على تجارة الرق بوصفها وازعا أساسيا لنمو الأسطول البريطاني والإمبراطورية البريطانية لكثرة الأرباح. وكان ذلك أيضا رأي الأميرال نلسون.
4
وحينما ألغي الرقيق في أواخر النصف الأول من القرن التاسع عشر، قامت بريطانيا بدور حامية حمى الرقيق، وأصبح لسفنها الحق في تفتيش السفن التجارية أيا كانت جنسيتها في أعالي البحار. وقد مكن ذلك بريطانيا من بناء أسطول كبير ومكنها من زيادة سيطرتها على البحار واحتلالها الكثير من النقط الهامة الملاحية في العالم مثل جبل طارق ومالطة وعدن وسنغافورة.
وعلى أية حال، حينما دخل البخار والسفن الحديدية عالم النقل البحري، كانت بريطانيا دون شك على رأس قائمة الدول البحرية. وقد أدى ذلك إلى بقاء الأسطول التجاري الإنجليزي مسيطرا وقتا طويلا على جزء كبير من التجارة العالمية، في الوقت الذي كانت روسيا والولايات المتحدة وألمانيا منشغلة بتدعيم وحدتها الإقليمية الأرضية، وتكوين الدولة الحديثة.
شكل 4-2: تطور نمو الأسطول التجاري العالمي. (1) الأسطول العالمي. (2) الأسطول الإنجليزي. (3) الأسطول الأمريكي. (4) بقية العالم. (5) بقية أوروبا.
Неизвестная страница