لكن كل هذا النمو في بناء السفن لم يخرج كثيرا عن الإطار الأساسي الذي بدأه المصريون القدماء منذ آلاف السنين: (1)
السفينة المركبة من تجميع قطع خشبية حسب خطة معينة وسعة معينة. (2)
الشراع كقوة دافعة. (3)
الدفة كموجه لسير السفينة.
وبمثل هذه السفن المطورة حدثت الكشوف الجغرافية الكبرى، وعلى هذه الأساطيل الخشبية نمت ونشأت الإمبراطوريات الاستعمارية العظمى. (2-4) العصر الصناعي وثورة النقل البحري
وظل الأمر على ذلك النحو حتى القرن التاسع عشر؛ ففي عصر الصناعة بدأت الاختراعات تتوالى على العالم بسرعة كبيرة، وأول ما طرأ من تغيير على السفن البحرية هو استخدام البخار كقوة دافعة جنبا إلى جنب مع الشراع. وبعد فترة صغيرة أمكن استخدام البخار وحده دون الحاجة إلى الشراع؛ ففي 1819 عبرت السفينة «سفانا» المحيط الأطلنطي من أمريكا إلى بريطانيا (29 يوما) باستخدام طاقة البخار وحدها.
والخطوة التالية كانت تغير مادة بناء السفينة من الخشب إلى الحديد. وقد استلزم ذلك جرأة كبيرة؛ لأن الحديد في خواصه العامة مادة لا تطفو مثل الخشب، لكن التجارب العديدة قد نجحت في النهاية في أواخر القرن التاسع عشر . أما الدفة فقد ظلت كما هي موجه السفينة.
وبذلك نجد أن نهاية القرن التاسع عشر قد شهدت ثورة عارمة في النقل البحري؛ فالبخار يعطي للسفينة طاقة محركة قوية مستمرة؛ مما زاد من سرعة السفينة. في أحيان قد تكون سرعة الرياح أكبر دفعا من الطاقة الميكانيكية، لكنها في هذه الحالة تصبح قوة هوجاء تؤدي بالسفينة إلى مخاطر غير مأمونة؛ لأنها قوة لا يمكن التحكم فيها إلا بإنزال الأشرعة وضمها، كذلك فإن قوة الرياح أمر خارج عن مدى تحكم الإنسان؛ ومن ثم كانت الرحلات البحرية تتم في أوقات متفاوتة المدة؛ لأنها تعتمد على الرياح الطيبة وتتجنب الرياح العاصفة. أما الطاقة الميكانيكية فإنها تعطي السفينة انتظاما في الدفع قابل للتحكم البشري بيسر وسهولة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى انتظام خطوط الملاحة وتحدد مدة الرحلة من مكان لآخر بدقة لا بأس بها.
وقد أعطى تغير خامة بناء السفن من الأخشاب إلى الحديد ميزات أخرى؛ فالحديد أقوى مقاومة في الماء من الخشب؛ وبذلك ارتفع عمر السفينة في المتوسط من 15-20 سنة إلى حوالي أربعين عاما أو أكثر.
ونظرا لأن للخشب مقاومة معينة تصبح بعدها المقاومة ضعيفة، فإن حجم السفينة طولا وعرضا كان يتحدد بقوة تحمل الأخشاب لضغوط الماء وضغط الحمولة. أما الحديد فأقوى بكثير؛ مما يؤدي إلى إمكان إعطاء حجم أكبر من السفينة المصنوعة من الخشب.
Неизвестная страница