وإن كان الحيوان يشارك الإنسان هذه المرونة - أي الحركة دون ما طريق من أي نوع - إلا أن لكل منطقة طبيعية حيوانا مؤهلا لها ومتخصصا فيها، بينما الإنسان من أي سلالة قادر على التنقل والنقل في كل الظروف الطبيعية المختلفة؛ ففي المناطق الرملية لا يسهل إلا على الجمل الحركة والنقل، وفي المناطق الوعرة نجد الحصان أو البغل هو الحيوان المتخصص، وفي السهول يمكن لكافة الحيوانات الحركة بدرجات متفاوتة، لكن في مناطق الغابات لا يسهل على الحيوانات الحركة إطلاقا.
وفي مقابل هذه المرونة والمميزات للإنسان كوحدة حمل، فإن له مساوئ كثيرة، وأول هذه المساوئ أن طبيعة تكوين الإنسان ووقوفه على قدميه معتدل القامة، تجعل مسطح ما يمكنه أن يحمل عليه - الرأس غالبا - مسطحا صغيرا، وهو برغم ما استحدثه من مبتكرات لزيادة مسطح الرأس، أو انحنائه قليلا ليتمكن من استخدام ظهره كمسطح للعمل - وهي عملية في حد ذاتها تؤدي إلى بطء حركته وإجهاده سريعا - إلا أن كل هذه الأشياء مرتبطة بعامل واحد هام هو أن للإنسان قدرة عضلية محدودة لا تمكنه أن يزيد وزن ما يحمل مهما كان ذلك على حساب السرعة، وتتفق معظم الملاحظات على أن الإنسان - مهما كان تكوينه العضلي - لا يمكنه أن يحمل وينقل أكثر من 50 كيلوجراما كحد أقصى، ولكن المتوسط هو في حدود 20 إلى 30 كيلوجراما لكي يتمكن من قطع مسافة معقولة.
والمأخذ الثاني على استخدام الإنسان كوحدة حمل يقع في مقدار السرعة والمسافة التي يمكن أن يقطعها، وهو حامل أحماله في اليوم الواحد، وإذا كانت سرعة الإنسان العادية حوالي 4-5 كيلومترات في الساعة، إلا أنه لا يمكن للإنسان أن يسير أكثر من ثلاث إلى خمس ساعات متواصلة. ولا شك أن السرعة تنخفض إلى حوالي ثلاثة كيلومترات أو أقل في الساعة في حالة حمل البضائع. كما أن السير المتواصل أيضا يقل إلى ساعتين على الأكثر تتوجب الراحة بعدها لفترة. وفي المتوسط نقول إنه إذا كان الإنسان - دون أن يحمل شيئا - قادرا على أن يقطع 30-50 كيلومترا في اليوم الواحد، فإن الإنسان مع ما يحمله من أثقال قد لا تزيد سرعته عن 25 إلى 35 كيلومترا في اليوم الواحد.
وليس وزن البضائع وحده هو العامل الحاسم، بل إن هناك اعتبارات كثيرة أخرى تساعد على تحديد ما يمكن أن يحمله الإنسان من وزن، وما يمكن أن يقطعه من مسافة، فطبيعة الأراضي التي يخترقها الإنسان عامل حاسم في هذا المضمار؛ فالأرض المضرسة الوعرة، أو الأرض ذات الانحدارات الشديدة، أو الأرض الصخرية أو الحصوية أو الرملية أو الطينية أو المستنقعية تؤدي إلى تغايرات كبيرة في سرعة الحركة، وتساعد بشدة على تحديد وزن الحمولة، ومن ثم المسافة التي يمكن قطعها في اليوم الواحد.
والظروف المناخية أيضا لها مثل هذا الدور في تحديد مواصفات الحمل بواسطة الإنسان؛ فالمناطق ذات الحرارة المرتفعة أو ذات الشمس المبهرة، أو مناطق الحرارة والرطوبة العاليتين، أو مناطق المطر الغزير أو البرودة الشديدة، لها دورها في جعل المنطقة جافة متربة، أو مطيرة طينية، أو باردة جليدية ملساء. كما أن الارتفاعات العالية كهضبة التبت وجبال الأنديز تؤدي إلى انخفاض الضغط الجوي؛ مما يؤدي إلى صعوبة الحركة وقلة الحمولة.
هكذا تترابط عوامل عديدة، بيولوجية (القدرة العضلية للإنسان)، وبيئية (الظروف الطبيعية للأرض والظروف المناخية والنباتية)، تؤدي في مجموعها إلى تغير في وزن الحمولة، ومقدار المسافة التي يمكن أن تقطع بهذه الوسيلة من وسائل النقل.
ويضاف إلى ذلك أن قوافل الحمالين كانت دائما في حاجة إلى تنظيم قوي يخطط تحركها، ويواجه مكاره الطريق الطبيعية، واحتمالات التعرض للسلب والإغارة، وبذلك كانت هناك حاجة إلى عقد اتفاقات متعددة مع القبائل والإمارات التي تعبر القوافل أراضيها، مثلها في ذلك مثل قوافل التجارة اللاحقة التي استخدمت الحيوان.
وتحتاج قوافل الحمالين أيضا إلى تنظيم الغذاء أو الحصول عليه خلال الطريق الطويل إلى جانب أشياء أخرى كثيرة. وقد بلغ الاهتمام بقوافل الحمالين أعلى مراحله في دولة الإنكا في أمريكا الجنوبية؛ فقد نصت شرائع الإنكا بدقة ووضوح على كمية ما يحمله الحمال والمسافة التي يقطعها يوميا، حماية لهؤلاء الحمالين من الاستغلال. ولا غرو في ذلك؛ فالتجارة في إمبراطورية الإنكا المترامية الأطراف في جبال الأنديز قد قامت على أساس قوافل الحمالين فقط، فبرغم استئناس اللاما إلا أن طرق الإنكا كانت جبلية مليئة بالدرج الذي يبنى للصعود والهبوط المباشر دون الحاجة إلى الالتفاف مع انحدار التضاريس.
وبرغم الصعاب المتعددة التي تواجهها قوافل الحمالين، فإن هذه القوافل قد أرست قواعد التجارة في الماضي، عبر مساحات شاسعة من الأرض، فعلى سبيل المثال كان الشاي في الصين يعبأ في صورة قوالب تحمل في سلال على ظهور الحمالين عبر الصين كلها ، وكذلك كانت هناك قوافل طويلة للحمالين من كاليفورنيا إلى جنوب أمريكا الوسطى؛ حيث كانت دولتا المايا أو الأزتك القديمتان. وإلى وقت قريب كانت هذه القوافل أساس الأرباح العالية التي جناها الاستعمار الأوروبي في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، ونذكر على سبيل المثال أنه كان في الكمرون - خلال الحكم الألماني القصير - 14 ألفا من الحمالين يشتغلون في نقل المطاط الطبيعي إلى ميناء دوالا.
وقد حل الحيوان والعربات محل الإنسان كوحدة نقل في المناطق السهلية أو المكشوفة، ولكن الإنسان ظل وحدة الحمل الرئيسية لفترة طويلة في المناطق الجبلية والغابية الكثيفة، وبالرغم من انقضاء وقت طويل على استئناس الحيوان فإن النقل بواسطة الإنسان لا يزال عملية شائعة في ريف العالم المتخلف ومدنه. (2-2) الحيوان كوحدة حمل
Неизвестная страница