Общие основы политической географии и геополитики: прикладное исследование Ближнего Востока
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
Жанры
وقد استمر مركز بريطانيا راجحا في الشرق الأوسط بقية القرن التاسع عشر، وتأكد بصورة لا تقبل الجدل حينما تم توزيع أسلاب الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، حيث نالت فرنسا نصيبا غير متكافئ مع النصيب الذي أحرزته بريطانيا، ففضلا عن مصر والسودان، احتلت بريطانيا فلسطين وشقة عريضة من بادية الشام في شرقي نهر الأردن، تحجب بذلك أية أطماع فرنسية تجاه الجنوب، واحتلت بريطانيا العراق وألحقت بالدولة الجديدة مساحة كبيرة من بادية الشام تربطها بشرقي الأردن، لكي يتم تطويق فرنسا بالنسبة إلى أية ضغوط في اتجاه رأس الخليج العربي، وفي عام 1925 تم ضم ولاية الموصل إلى العراق، وكانت تركيا تطالب بها، وبذلك أيضا لم يعد هناك إمكان تقارب فرنسي مع إيران، وعلى هذا النحو أصبحت بريطانيا تسيطر على المحاور الرئيسية للطرق في الشرق الأوسط : طريق السويس والبحر الأحمر، وطريق الخليج وسهول العراق كلها، وطريق البر السهلي من شرق البحر المتوسط إلى رأس الخليج عبر فلسطين والأردن والعراق (انظر الخريطة 30).
وقد سقطت إمبراطورية بريطانيا في الشرق الأوسط بعد استقلال الهند وباكستان والحركات القومية العربية، لكن المصالح البريطانية الاقتصادية والتجارية ظلت قائمة داخل الشرق الأوسط (متمثلة في بترول الخليج العربي) وخارجه (متمثلة في تأمين طريق التجارة عبر قناة السويس)، وفي كلتا الحالتين لم تعد هذه مصالح بريطانية خالصة، بل شاركت فيها الدول الأوروبية الغربية، وعلى رأسها فرنسا وهولندا وإيطاليا وألمانيا الغربية، بالإضافة إلى المصالح الأمريكية الاقتصادية والاستراتيجية، ولم تعد لبريطانيا قواعدها العسكرية باستثناء قبرص، وبعض معاهدات في دول الخليج، ويعني هذا أن بريطانيا لم تعد تتصرف وحدها في منطقة الشرق الأوسط، بل من خلال التحالف الغربي العام، سواء كان ذلك حلف الأطلنطي أو الحلف المركزي أو السوق الأوروبية المشتركة، ولا شك في أن ذلك راجع إلى ما سبق أن ذكرناه من انقسام العالم جيوبوليتيكيا إلى معسكرين يعمل أحدهما تحت المظلة السوفيتية، والآخر تحت المظلة الأمريكية.
خريطة (30): تقسم الشرق الأوسط 1920. (1) الدولة العثمانية تنكمش إلى جمهورية تركيا. (2) مناطق الاحتلال البريطانية. (3) مناطق الاحتلال الفرنسية. (4) مناطق الاحتلال الإيطالية. (5) دول مستقلة (غالبا تحت نوع من أنواع النفوذ البريطاني).
وأخطر الأدوار التي لعبتها بريطانيا في الشرق الأوسط لم يكن فقط تقسيم العالم العربي إلى دول ذات حدود مستحدثة لم يكن لها وجود من قبل، وبالتالي تفتيت جهوده في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل كانت هناك عملية «زرع» جسم غريب داخل الشرق الأوسط، يعمل بدوره على تبديد جهود العالم العربي في مجالاته السياسية والاقتصادية، ذلك أن السماح بإنشاء وطن يهودي في فلسطين، بتشجيع الهجرة أو التغاضي عنها خلال فترة الانتداب البريطانية، قد أدى إلى الموقف السياسي العام المثير للقلق والحروب في كافة أنحاء الشرق الأوسط، ولا شك في أن عدة متداخلات قد شاركت في دفع الموقف في فلسطين إلى هذا الاتجاه، كان على رأسها الموقف الإيجابي البريطاني من القضية اليهودية عامة منذ ما قبل 1914 وحتى نهاية الانتداب البريطاني عام 1948، وهي النهاية التي شاب إعلانها «دراماتيكية» سياسية غير معلنة الأسباب حتى الآن، لكن لا نشك في أن الضغوط الأمريكية والصهيونية والغربية عامة، قد ساعدت على إنهاء الانتداب بهذه الصورة، وفي الوقت نفسه كان النشاط الصهيوني المكثف الدائم الحركة منذ عام 1916 في فلسطين وأوروبا ثم الولايات المتحدة، عاملا آخر حاسما من بين المتداخلات التي خلقت أوضاع فلسطين بعد 1948، فهذا النشاط الكثيف من جانب الحركة الصهيونية العالمية قد خلق كل الظروف المواتية لوجود يهودي قوي عدديا وماديا ومدعما بتأييد خارجي، فالنشاط الصهيوني كان يعمل على مستويين بنفس القوة وفي ذات الوقت، المستوى الأول إنشاء نواة الوجود اليهودي في فلسطين لكي تصبح واقعا يستقطب العمل حوله ويزيد من تكثيفه، وقد تم ذلك بالهجرة المستمرة الشرعية وغير الشرعية - كما حددتها سلطات الانتداب الإنجليزي - وبالدعم المستمر للمهاجرين وتنظيمهم تنظيما عسكريا في صورة مستعمرات ذات خطة بناء تصلح للحرب، وبالدعم المادي لشراء الأراضي وإقامة ما يشبه واقعا اقتصاديا في صورة ناس يعيشون على منتجات الأرض التي يحوزونها، أما المستوى الثاني الذي عمل عليه النشاط الصهيوني فكان إيجاد الروابط وإنشاء الجسور بين الحركة الصهيونية - ممثلة اليهود في فلسطين - وبين المؤسسات الاقتصادية والسياسية في العالم الغربي كله، وهذه الجسور هي التي حملت، وتظل تحمل، إلى إسرائيل معينا لا ينضب من التأييد والدعم بكافة أشكاله: المالي والحربي والمعنوي، وقد استخدمت الحركة الصهيونية في إنشاء هذه الجسور عدة وسائل وأسلحة مادية وفكرية وأيديولوجية وعاطفية وأسطورية، وذلك حسب نوع المؤسسة التي تبني معها خط الاتصال، وكان على رأس هذه الوسائل استغلال الاضطهاد النازي لليهود (علما بأن اليهود لم يكونوا وحدهم ضحايا النازية، بل سقط من الألمان ضحية النازية أعداد أكبر من ضحايا اليهود)، وقد ضخمت الدعاية الصهيونية هذا الجانب في أذهان سكان أوروبا وأمريكا، ونجحت في تمهيد الطريق أمام الضغط على الحكومات في اتجاه تأييدها، وكان اليهود الذين يحملون جنسيات أوروبية وأمريكية مختلفة، الركيزة الأساسية في شتى أنواع المساعدة للحركة الصهيونية، وكثير من هؤلاء مسيطرون بصورة أو أخرى على نواح مختلفة من المراكز الحساسة في أوروبا وأمريكا: الحياة المالية والشركات والصحافة وأشكال الإعلام الأخرى.
ومما لا جدال فيه أن مسئولية بريطانيا التاريخية في القضية الفلسطينية مسئولية جسيمة، وأنه برغم الضغوط الصهيونية وغيرها كانت هي واضعة استراتيجية المنطقة كلها، مستندة إلى أساس محوري في تلك الاستراتيجية هو مزيد من التفرقة لمزيد من الضعف، أو هو ما يعبر عنه دائما بالشعار المعروف «فرق تسد»، ففي الهند خلفت دولتين متحاربتين، ومشكلة صعبة الحل هي كشمير، وفي العالم العربي في الشرق الأوسط خلفت دولا عديدة صغيرة، وزادت على ذلك بإقحام مشكلة عويصة متعددة الجوانب: عنصرية دينية عسكرية في فلسطين، ولا شك في أن قيام المشكلة الفلسطينية - بالشكل الذي اتخذته خلال ربع القرن الماضي، أو بشكل آخر تصورته بريطانيا - يخلق جوا من التوتر يستدعي بقاء بريطانيا قرب منطقة قناة السويس أو عندها، لكن نتائج الحرب العالمية الثانية قلبت موازين بريطانيا واتخذت اتجاهات أخرى بتغير الزمن ومراكز القوى العالمية.
الولايات المتحدة والشرق الأوسط
تمثل الولايات المتحدة آخر الدول التي دخلت ميدان الصراع حول الشرق الأوسط وقد كان ذلك نتيجة للبعد المكاني من ناحية، وسيطرة القوى الأوروبية الغربية على الشرق الأوسط حتى نحو منتصف هذا القرن، وقد ترتب على نتائج الحرب العالمية الثانية وظهور زعامة أمريكا للعالم الغربي، مع نمو المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط المرتكزة أساسا في صورة شركات البترول، أن الولايات المتحدة قد دخلت بصور مختلفة في كل مناطق الضعف في مستعمرات أوروبا السابقة في العالم الأفرو آسيوي، بما في ذلك إقليم الشرق الأوسط، وقد كان هذا الإقليم بأهميته المكانية المعروفة أحد المناطق الرئيسية التي ركزت فيها الولايات المتحدة جهودها من أجل استكمال حلقة الأحلاف في مواجهة الاتحاد السوفيتي، وقد زاد اهتمام أمريكا بالشرق الأوسط بعد تصفية مركز بريطانيا تدريجيا نتيجة لاشتراكها المباشر في حرب السويس 1956، وظهر على الأثر ما أسمته أمريكا «فراغا» في الشرق الأوسط حاولت ملئه بتحالفات لإحلال سلام أمريكي
pax americana (مبدأ أيزنهاور 1956)، لكن التأييد الغربي عامة والأمريكي خاصة لإسرائيل كان بمثابة سد يقف أمام هذه السياسة الأمريكية، وهو ما زال واحدا من أهم العوائق أمام التقارب الأمريكي في الشرق الأوسط عامة.
8
على وجه العموم قامت جيوبوليتيكية أمريكا في الشرق الأوسط على مبادئ مشابهة تماما للمبادئ الإنجليزية في المنطقة ذاتها خلال القرن التاسع عشر والقرن الحالي، فالحلف المركزي - وسابقه حلف بغداد - هو وريث فكرة الدولة الحاجزة التي اتبعتها السياسة الإنجليزية بينها وبين روسيا، وقد حل الأسطول الأمريكي في البحر المتوسط محل الأسطول الإنجليزي، وأخذ يظهر في مياه الشرق الأوسط كلما دعت الحاجة إلى إبراز قوة الوجود الأمريكي في المنطقة، وكان أكثر أشكال تدخل الأسطول الأمريكي مباشرة في عام 1958 حينما نزل مشاة الأسطول الأمريكي إلى لبنان خلال الأحداث اللبنانية الداخلية وردة فعله على سقوط حلف بغداد، ويعتمد الأسطول على قواعد حلف الأطلنطي في البحر المتوسط، وخاصة في إيطاليا واليونان، كما كان يعتمد على قواعد أمريكية أخرى داخل الشرق الأوسط وعلى هوامشه، خاصة قاعدة هويلس - عقبة بن نافع بعد تصفيتها في ليبيا - ولا تزال قاعدة الأسطول والطيران الأمريكي في جنوب البحر الأحمر - مصوع وأسمره في إثيوبيا - وفي مناطق مختلفة من تركيا وإيران تمثل ركائز أمريكية عسكرية قوية تحيط بالشرق الأوسط العربي.
Неизвестная страница