Джон Локк: Очень короткое введение
جون لوك: مقدمة قصيرة جدا
Жанры
إن الحق في أن ينقذ الإنسان روحه لا يعني الحق في محاولة فرض حكم سياسي شخصي ضد السلطة المدنية، فلا يوجد حق - كما شدد لوك بالفعل في مقاله الذي كتبه عام 1667 - في إنكار وجود الله، ما دام أن الإيمان بالله هو «الأساس الذي تقوم عليه كل أشكال الفضيلة»، والإنسان الذي يفتقر إلى ذلك هو حيوان ضار غير جدير بأن يكون عضوا في أي مجتمع. لا داعي لاستخدام القوة ضد الآراء التأملية أو المعتقدات الدينية، ما دام أن الحقيقة كفيلة بإظهار نفسها بنفسها، وقلما تلقت كثيرا من العون من جانب القدير (رسالة في التسامح)؛ وهو أمر غير مجد أيضا، بما أنه ما من إنسان يستطيع أن يختار اختيارا مباشرا ما يؤمن أو يشعر به؛ لكن الإلحاد ليس مجرد رأي تأملي، وإنما يشكل أيضا أساسا لأفعال غير أخلاقية لا حصر لها. ولما كان حق التسامح يعتمد على حق كل إنسان وواجبه في السعي نحو خلاصه، فهو إذن ليس بالحق الذي يمكن لأي ملحد أن يطالب به على الدوام.
شكل : هل كان لوك إنسانا بلا عيوب حتى في نظر خادمه؟ لوحة من إعداد كاتب لوك وخادمه الأسبق سيلفانيوس براونوفر، تصور لوك في المنفى بهولندا عام 1685.
إن القناعة بأن الحقيقة كفيلة بإظهار نفسها بنفسها هي بالطبع قناعة متفائلة، بيد أنها لم تكن تمثل الأساس الذي استند إليه لوك في التزامه بالتسامح. والمدهش في الأمر أن وجود الله لم يكن بالحقيقة التي يمكن أن تترك لإظهار نفسها بنفسها؛ ومن ثم فإن رفض التسامح مع الملحدين - على الرغم مما يمكن أن يمثله لنا اليوم من إهانة - لم يكن ليتفق اتفاقا كاملا مع حجة لوك؛ فالكفر بوجود الله، حتى في مجرد الفكر فحسب، يمحو وجود كل شيء (رسالة في التسامح). كتب لوك «رسالة في التسامح» في وقت متأخر من شتاء عام 1685، عقب مناقشات مطولة مع صديقه ليمبورخ، وفي مواجهة الاضطهاد المتفاقم للهوجونوت على يد الملك لويس الرابع عشر. لم يكتب لوك هذا العمل من أجل إنجلترا وحدها، ولكن من أجل شعب أوروبي، وربما كان هذا الشعب هو المستفيد الأكبر من تطبيق مبادئ لوك في هذا العمل؛ ففي القرن التالي على ذلك، رأى فولتير أن كتاب «رسالة في التسامح» يمثل جوهر مفهوم لوك عن السياسة، وهي السياسة المنسجمة تماما مع رسالة مقاله الرائع التي من الواضح أنها وثيقة الصلة بالحياة المدنية في كل مكان على وجه الأرض. لكن إذا كانت رسالته السياسية عالمية بقدر ما هي واضحة، فإنها كانت تستند أيضا في نهاية الأمر إلى قناعة واحدة، وهي القناعة بأن على الإنسان واجبات دينية، ويمكنه معرفة تلك الواجبات وماهيتها، وكان كفاح لوك من أجل تبرير هذه القناعة هو ما أدى إلى وضع مؤلفه هذا، الذي يعد أروع إنجازاته الفكرية على الإطلاق؛ لكن لم يكلل هذا الكفاح بالنجاح، ولكن انتهى بشيء قريب جدا إلى الخضوع والاستسلام.
الفصل الثالث
المعرفة، والاعتقاد، والإيمان
على حد معرفتنا، لم يشك لوك خلال أي مرحلة من حياته في أن بعض الأفراد على علم بالفعل بواجبهم تجاه الله؛ إذ كانت هذه ببساطة حقيقة نابعة من واقع تجربته. لكنه أيضا لم يوضح خلال أي مرحلة من حياته الفكرية أسباب هذه القناعة على نحو واضح وسهل التفسير. وفي أوائل عام 1659، قبل أن يشرع في كتابة أي من مؤلفاته الرسمية، وضع بحماس - وتخيل - تصورا للعلاقة بين معتقدات الإنسان ورغباته التي ينظر فيها إلى العقل بوضوح بوصفه عبدا للعواطف؛ فبدلا من أن يسيطر العقل ببساطة على أفعال الإنسان وتصرفاته، فإنه لا يعدو أن يكون أكثر من مجرد وسيلة لتبرير رغباته. وأسوأ من ذلك أن فشله لم يكن مجرد فشل في السيطرة، وإنما نقيصة أخلاقية. وقد شاب الفشل الأخلاقي بدوره الفهم الإنساني في مجمله، وأخل بكل مفهوم راسخ يقضي بأن لكل إنسان هويته الفردية الخاصة به (رسالة في التسامح). وتتكرر هذه المفاهيم الثلاثة طوال حياة لوك الفكرية؛ تارة بثقة أكبر، وتارة بعناء أكبر. وكان رأيه بأن الكثير من المعتقدات البشرية تستحق اللوم، وأن الأفراد مسئولون في المقام الأول عن معتقداتهم، واحدة من أكثر القناعات رسوخا في فكره، لكنه كان أيضا من الآراء التي وجد صعوبة بالغة في تبريرها. ولكي يكون ثمة ترابط منطقي في أفكاره، كان لا بد من وضع تصور واضح للكيفية التي يمكن بها مبدئيا أن يتخلص الأفراد من المعوقات العاطفية التي تعترض عملية الفهم؛ أي الكيفية التي يمكن أن يفهم بها الأفراد عالم الله وذواتهم، ويستوعبوها بالصورة التي هي عليها وليس كما يؤثرون أن تكون. وإلى جانب ذلك، كان لا بد أيضا من وضع تصور واضح لكل إنسان بوصفه كائنا قادرا على تحمل مسئولية أفعاله. وثمة ارتباط وثيق بين مفهومي التفويض الأخلاقي ونطاق الفهم البشري وحدوده في فكر لوك، وحيثما كان يحتدم الصراع بينهما - كما حدث في السنوات التي أعقبت نشر «مقال في الفهم البشري» - كان لوك يختار تعقب الآثار المترتبة على مفهوم التفويض الأخلاقي، لكن من بين هذين المفهومين، بالطبع، كان تصوره لنطاق الفهم البشري وحدوده الذي طرحه في «مقال في الفهم البشري» هو المفهوم الذي أقر هو نفسه بأنه رائعته الفكرية؛ وكان هذا هو نفسه المفهوم الذي علق في مخيلة الأجيال القادمة.
كان العمل الأول الذي حاول لوك فيه أن يستكشف هذه الموضوعات عبارة عن مجموعة من المحاضرات التي ألقاها في كلية كنيسة المسيح بعنوان «مقالات حول قانون الطبيعة»؛ إذ كان يرى أن القانون الطبيعي مصدره مشيئة الله، وأنه يمكن - بل يجب أيضا - إدراكه بنور الطبيعة من خلال إعمال العقل البشري. وفي إطار النظام الطبيعي، يوضح القانون الطبيعي للإنسان ما ينبغي أن يفعله وما لا ينبغي؛ ما يتطلبه هذا النظام من الإنسان باعتباره مخلوقا عاقلا يتمتع بإرادة حرة (مقالات حول القانون الطبيعي). كان موقف لوك غامضا تجاه الجدل الرئيسي في النظرية الأخلاقية المسيحية منذ العصور الوسطى، المتمثل في الخلاف القائم بين أولئك الذين رأوا الالتزامات البشرية على أنها تعتمد اعتمادا أساسيا على مشيئة الله، وبين أولئك الذين رأوا أنها تعتمد فقط على مقتضيات العقل والخصائص الفعلية للعالم الطبيعي. ومن الواضح أنه شعر (بل ظل بالفعل يشعر طوال حياته) بقوة كل من هذين الرأيين، لكن كلما كان يضطر إلى الاختيار بينهما (وعلى نحو أكثر وضوحا، كلما كان يشعر أن امتثال البشر لقانون الطبيعة أمر مشكوك فيه عن جد)، كان يختار مشيئة الله التي يثق فيها. وفي «مقالات حول القانون الطبيعي» قدم محاولة بسيطة - لكنها غير حاسمة - لبحث التعارضات الواضحة بين هذين الرأيين، ولم يكترث لوك كثيرا بالدفاع عن وجود قانون الطبيعة وقوته الملزمة في مواجهة الاعتراضات المشككة فيه. (لكن من الجدير بالذكر أن استجابته الأخيرة لمثل هذه الشكوك، تمثلت في الجزم بأن غياب قانون الطبيعة من شأنه أن يجعل كل إنسان الحكم المستقل والأعلى على أفعاله (مقالات حول القانون الطبيعي)؛ وهو اعتراض له وقع بالغ الغرابة على آذان الإنسان في العصر الحديث.)
بدلا من ذلك، ركز لوك على السؤال عن الكيفية التي يمكن بها للإنسان أن يعرف بالضبط ماهية قانون الطبيعة، وأوضح أربع طرق محتملة للمعرفة: الكتابة، والتقاليد، والتجربة الحسية، والوحي الخارق للطبيعة أو الوحي الإلهي. لكنه استبعد الطريقة الأخيرة؛ ليس لأي سبب يدعو إلى التشكيك في وجوده، وإنما لأنه من الواضح أنه ليس بالشيء الذي يمكن للإنسان أن يدركه بفكره أو عقله أو تجربته الحسية فقط. (ومع ذلك، يعود لوك إلى هذه الاحتمالية بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما في «معقولية المسيحية».) استبعدت فكرة النقش؛ فلو كان قانون الطبيعة منقوشا حقا في قلوب كل البشر، إذن لاتفق البشر أجمعين ببساطة على كل من المبادئ الأخلاقية والتأملية التي آمنوا بها، ولاستطاع الشباب وغير المتعلمين والهمجيون استيعاب تلك المبادئ بوضوح بالغ (مقالات حول القانون الطبيعي). كما استبعدت التقاليد؛ لأن القناعات الأخلاقية للمجتمعات المختلفة تختلف اختلافا هائلا؛ فما يراه مجتمع على أنه ملكية له، يراه مجتمع آخر على أنه سلب وسطو، وما يراه شعب على أنه فسق، يراه شعب آخر على أنه صحبة جيدة أو عبادة دينية، بل يمكن أيضا أن يمتدح القتل والانتحار في ظل ظروف معينة، وفي بعض البلدان. وحدها طريقة التفسير العقلاني للتجارب الحسية هي التي نجت من الانتقاد، ولكن لم يتحدث لوك إلا قليلا عن رؤيته لآلية عملها، لكنه يؤكد بقوة على أن الدروس الرئيسية التي تطرحها تتعلق بقدرة الله ومشيئته (مقالات حول القانون الطبيعي)، كما يشير بوضوح إلى سبب اعتقاده بأن هذه الطريقة وحدها يمكن أن تقوم بدور حجر الأساس لقانون الطبيعة؛ فالقانون المتسق مع الآليات الواضحة للفهم البشري، الذي يراعي جيدا الخصائص الفعلية للعالم الطبيعي، هو وحده الذي بمقدوره أن يمنح سلطة عقلانية للبشر باعتبارهم مخلوقات طبيعية. وبما أن معتقدات الإنسان موجودة بالفعل، فإنها - كما يصر لوك مرارا وتكررا - تأتي للإنسان في المقام الأول عن طريق كلام غيره من البشر (مقالات حول القانون الطبيعي). يشوب كلام الآخرين فساد الخطيئة البشرية، وفقط عندما تعتمد معتقدات الإنسان على فهمه والعبرات المستمدة من تجاربه الخاصة، حينها فقط يكون لديه مبرر منطقي للوثوق في الآخرين.
مقال في الفهم البشري
في «مقال في الفهم البشري» نفسه، وعلى نحو أكثر تحديدا في أطروحتيه «آراء في التربية» و«آراء في أصول الفهم»، حاول لوك أن يوضح كيف أنه بمقدور الإنسان أن يستعمل عقله كي يعرف ما هو بحاجة إلى معرفته، وأن يؤمن فقط بما ينبغي أن يؤمن به. ولأن البشر يتمتعون بإرادة حرة، فلا بد أن يفكروا ويصدروا الأحكام بأنفسهم، ولا بد أن يكون العقل هو الفيصل والمرشد النهائي في كل شيء. وحيثما لا يوجه العقل آراء الإنسان وتكوينه، فإن آراءه لا تعدو أن تكون «نتائج وليدة الصدفة والمجازفة، عن عقل هائم في كل المغامرات ، دون اختيار ودون توجيه .» وعلى الرغم من أن للتفكير متعه الخاصة، «فإن كل عمل من أعمال التفكير هو بحث وتمحيص ويتطلب الكد والمثابرة» (مقال في الفهم البشري). ولأنه من السهل جدا أن يخطئ الإنسان في الأحكام التي يصدرها، ونظرا لشيوع الضلال والجهل بين البشر عن الحق والمعرفة، فإن كل البشر لديهم سبب وجيه «لقضاء أيام غربتنا على الأرض في كد وجزع» بحثا عن الحق. ما يحاول لوك تقديمه في «مقال في الفهم البشري» هو مساعدة عملية في هذا البحث، وهو يفعل ذلك بطريقتين مختلفتين للغاية؛ أولهما: أنه يحاول توضيح آلية العمل الناجحة للفهم البشري؛ مدى أهليته للمعرفة والتصديق العقلاني، وما يمكن أن يعرفه البشر وما لا يمكن أن يعرفوه. وثانيهما: أنه يشرح الأسباب التي تؤدي بوجه عام إلى إخفاق الفهم البشري عمليا. تمثل هاتان الفكرتان أهمية جوهرية لدى لوك، فإذا كان البشر لا يستطيعون مبدئيا معرفة ما هم بحاجة إلى معرفته، فإن أزمتهم تلك سوف تضع حكمة الخالق أو قدرته موضع شك، لكن إذا كان لا يسعهم التصرف إلا حسبما فعلوا، فلن يكونوا مسيرين فحسب؛ ومن ثم غير مسئولين عن أفعالهم الظاهرة، وإنما سيكون الله نفسه هو أصل كل ما مقته لوك في البشر أشد المقت.
Неизвестная страница