Джон Локк: Очень короткое введение
جون لوك: مقدمة قصيرة جدا
Жанры
كان ثاني تحد أثارته كتابات فيلمر في ذهن لوك، أيسر في مجابهته في بعض النواحي، وأثار ردا أقل أصالة من جهته. لكن لما كان السؤال موضع الخلاف في هذه الحالة سؤالا عن الحق في مقاومة السلطة السياسية الجائرة، فقد تناوله لوك بقدر من الإسهاب والحماس البلاغي يفوق ما خصصه لموضوع حقوق الملكية. كان فيلمر يعتقد - كما رأينا - أن كل الرعية مدينون بالطاعة لحاكمهم؛ لأن الله أسلمهم، حرفيا، إلى هذا الحاكم بما معهم من الأراضي القاطنين فيها. وعلاقة حاكمهم بهم هي علاقة مالك بممتلكاته، وكان لوك نفسه يتبنى في سنوات مبكرة من حياته وجهة نظر إيجابية حول مزاعم السلطة السياسية. لكن ليس ثمة ما يدعو للاعتقاد في أنه كان سيجد في مذهب فيلمر المتعنت أي مصدر جاذبية على الإطلاق. لقد استحسن لوك القوة التي أكد بها فيلمر على الأهمية المحورية التي يمثلها حظر المسيحية للانتحار في النظرية السياسية، لكنه استخدمها لإصابة أفكار فيلمر في الصميم، فلما كان الإنسان في نهاية المطاف ملكا لخالقه وليس ملكا لنفسه، فإن حق أي إنسان في انتزاع حياة غيره (بما في ذلك حياته هو نفسه) يجب أن يستند مباشرة إلى مقاصد الله من خلق الإنسان بوجه عام. ففكرة أن يمتلك إنسان إنسانا آخر بالوراثة، فضلا عن ملايين الأشخاص، ليست لها أية علاقة منطقية بالأغراض التي خلق الله الإنسان من أجلها . لقد حولت الحجج التي ساقها فيلمر كل الرعايا السياسيين إلى عبيد. كانت العبودية هي الجزاء المنصف الذي يمكن أن يلقاه الإنسان جراء اقترافه شرا ما، لكنها كانت على النقيض من حياة الإنسان الحقيقية، ولا يمكن تحت أي ظرف أن تكون نتيجة الآثام التي يرتكبها شخص آخر. (ولا بد أن لوك شعر بإحراج شديد حيال هذا التحفظ بصفته أحد المساهمين في شركة «رويال أفريكا كومبني» لتجارة الرقيق، بما أنه كان يقتضي بوضوح أن العبودية كوضع لا يمكن أن تورث شرعا من جيل لآخر؛ فكل أشكال العبودية الشرعية كانت في الأساس ضربا من العقاب، ولم يكن من الممكن أن تورث جرائم الأب أو الأم إلى أبنائهما.) ومن وجهة نظر لوك، كانت العبودية هي النقيض الصريح للسلطة السياسية الشرعية. وما جعل السلطة السياسية شرعية، وما أعطى الحكام الشرعيين حق السيادة، هو الخدمات الفعلية التي بمقدورهم أن يقدموها إلى رعاياهم، وقد قدموها بالفعل؛ ومن ثم، لا يعد الملوك الشرعيون مالكين لرعاياهم، بل خدم لهم.
رأى فيلمر (حسبما كان في الواقع رأي لوك في شبابه) أن الإنسان عنيد وأناني وميال إلى النزاع بدرجة تحتم ألا يترك دون مساعدة للسعي نحو خلاصه الفعلي، وقد تولت العناية الإلهية حمايته، وكان ذلك في المقام الأول من خلال إخضاعه دائما لمنظومة من السلطة الفعالة. ظل لوك طوال حياته الفكرية متفقا مع هذا التقييم لطبيعة الإنسان والسلوكيات الممكن توقعها منه، لكنه عمد بثقة في «رسالتان في الحكم» إلى توسيع نطاق هذا التقييم ليشمل الحكام بقدر ما يشمل الرعية، واستخلص منه نتائج مختلفة تماما عما استخلصها فيلمر. في كتاباته الأولى كانت ثمة هوة واسعة بين الحاكم الإله وبين الأغلبية «التي يرى الحكماء دوما أنها وحوش جامحة ويطلقون عليهم تلك الصفة» (مقالان في الحكومة)، لكن هذه الهوة اختفت في «رسالتان في الحكم»، وغالبا ما صار ينظر إلى الحاكم بالصورة نفسها التي ينظر بها إلى رعاياه، على أنه يسلك طريق «القوة، التي هي نهج الحيوانات والوحوش» (رسالتان في الحكم).
إن العقل على النقيض من القوة؛ فالعقل هو الذي يميز الإنسان عن الحيوان، وطريق العقل هو الطريق الذي تريد مشيئة الله أن يسلكه الإنسان، ويستطيع الإنسان - بل يتعين عليه أيضا - من خلال إعمال عقله أن يعرف ما يريد الله منه أن يفعله، والعقل هو الذي يتيح للإنسان تقدير النهج الأفضل في الأمور التي لا يكون لمشيئة الله دخل مباشر فيها. والعقل موجود لدى كل البشر البالغين الأصحاء عقليا؛ فقد ولد جميع البشر أحرارا وعاقلين، وإن كانت هذه ملكات عليهم أن يتعلموا كيفية ممارستها بمرور الوقت، وليست صلاحيات وقدرات يحوزون عليها كاملة عند ولادتهم. وكل البشر - بوصفهم مخلوقات الله العاقلة التي تعيش في عالم من خلق الله - سواسية، سواء في حقوقهم الرئيسية أم في الواجبات المكلفين بأدائها.
وفي ظل هذه المساواة في الحقوق والواجبات، وبعيدا عن الوقائع التاريخية الفعلية لكل زمان ومكان، يجابه البشر بعضهم بعضا فيما يسميه لوك الحالة الأصلية، وهذه الفكرة على الأرجح هي أكثر أفكاره التي أسيء فهمها على الإطلاق؛ نظرا للدور الذي تؤديه فكرة مشابهة جزئيا في كتابات توماس هوبز. يصف هوبز الحالة الأصلية للبشر (في مرحلة ما قبل بناء المجتمعات) بأنها حالة صراع عنيف تتولد عن الحماس والعداء، والعقل وحده هو القادر على إنقاذ الإنسان منها، والخوف من الأخطار المميتة هو الحافز الوحيد الذي لديه ما يكفي من القوة للتغلب على تلك الخصال المعادية للمجتمع لدى الإنسان. ويتبنى لوك وجهة نظر أقل انفعالا بشأن المخاطر الفعلية التي يمثلها البشر بعضهم لبعض، ويقر بالخصال الاجتماعية واللااجتماعية في الطبيعة البشرية، لكنه في المجمل لا يختلف كثيرا عن هوبز (أو في الحقيقة عن فيلمر) في حكمه على ماهية الإنسان والتصرفات المتوقعة منه. لكن بينما يمكننا فهم الحالة الأصلية من وجهة نظر هوبز على أنها صورة توضح الكيفية التي كان الإنسان سيتصرف بها لو لم يكن خاضعا لسلطة سياسية، فإن هذه العبارة وفقا لرأي لوك لا تشير ببساطة إلى ميول الإنسان وتوجهاته على الإطلاق؛ فالحالة الأصلية من وجهة نظره هي الحالة التي خلق الله عليها كل البشر عندما أتى بهم إلى العالم، قبل الحياة التي يحيونها، وقبل المجتمعات التي تأسست بعيش تلك الحياة. ولم يكن الغرض من ذلك هو بيان الحالة التي عليها الإنسان وماهيته، وإنما بيان حقوق البشر وواجباتهم بوصفهم مخلوقات الله.
أقصى حقوق الإنسان وواجباته أن يقدر أوامر خالقه فيما يخص الكيفية التي يريده أن يعيش وفقا لها في هذا العالم، الذي هو أيضا من خلق الله، وما يقتضيه الله من جميع البشر في الحالة الأصلية هو أن يعيشوا طبقا لقانون الطبيعة، ويستطيع كل إنسان بإعمال عقله أن يفهم مضمون هذا القانون وفحواه. لكن مع أن لوك كان مقتنعا تماما أنه يتوجب على البشر فهم هذا القانون والواجب المنوطين به للالتزام بمتطلباته وقدرتهم على ذلك، فإنه لم يكن واثقا البتة في مطلع ثمانينيات القرن السابع عشر في الكيفية التي يعتقد - بل يتعين أيضا - أن يستخدم بها البشر هذه القدرة لفهم هذا القانون. وكما سنرى، انشغل لوك طوال حياته الفكرية بمسألة الكيفية التي يستطيع بها الإنسان التمييز بين القواعد التي يمليها عليه قانون الطبيعة، وأشكال التحيز والإجحاف السائدة في مجتمعه؛ مع ذلك استطاع لوك أن يغض الطرف بسلام عن مسألة كيفية فهم الإنسان لمضمون قانون الطبيعة في كتابه «رسالتان في الحكم»، لكن كان المهم ببساطة هو واجب البشر في الالتزام بهذا القانون وقدرتهم على ذلك، مع قدرتهم أيضا - بوصفهم مخلوقات حرة الإرادة - على اختيار الإخلال به وعدم الامتثال له. ولم تكن ثمة معارضة في صفوف من كان يعتزم لوك الجدال معهم في هذا الوقت على هذا الحكم؛ ولو كان قد حاول إثبات هذا الحكم في معرض نقاشه، لكانت تلك المحاولة غير مجدية ومستنفدة فكريا تماما، شأنها - على سبيل المثال - شأن محاولة إثبات وجود خالق إلهي في هذا العمل نفسه.
في الحالة الأصلية تتساوى الواجبات المنوط بها إلى كل إنسان بموجب قانون الطبيعة مع الحقوق المكفولة له بموجب هذا القانون، وأهم هذه الحقوق هو محاسبة الآخرين على خرقهم لهذا القانون ومعاقبتهم وفقا لذلك: السلطة الإجرائية لقانون الطبيعة التي بمقتضاها فقط يصير هذا القانون نافذا ومعمولا به بين البشر على الأرض؛ فليس لأي إنسان الحق في قتل نفسه؛ لأن كل البشر ملك الله (تقييد واضح لمفهوم وجود أي ملكية للبشر في أجسادهم). لكن يحق لكل إنسان إنزال العقوبات - بما يصل أيضا إلى عقوبة الموت - بأي إنسان ينتهك قانون الطبيعة انتهاكا بالغا يستوجب هذه العقوبة، وبخاصة إنزالها بأي إنسان آخر هدد حياة أي إنسان دون مبرر. فإفساد أي من عطايا الله وإهدارها كان يمثل مخالفة لقانون الطبيعية، لكن سلب حياة أي إنسان أو إهدارها كان يمثل جرما ذا وقع خاص. كانت الحالة الأصلية حالة من المساواة، وكان لا يزال من الممكن فيها - حتى في العالم المتحضر في عصر لوك - أن يلتقي البشر بعضهم ببعض من حين لآخر. ومتى التقى الأفراد خارج إطار سلطة سياسية شرعية مشتركة، فإنهم وفقا لهذا المفهوم يلتقون أيضا بوصفهم سواسية: سواء اجتمع مواطن سويسري وآخر هندي في غابات أمريكا، أو التقى ملك إنجلترا بملك فرنسا في معسكر القماش الذهبي لتقرير مصائر بلديهما. ومن وجهة نظر فيلمر، التي كانت تتفق في الواقع مع وجهة نظر كثير من نقاد القرن الثامن عشر الذين تعرضوا للنظريات المتعلقة بالحقوق الطبيعية، كانت الحالة الأصلية زعما مفتعلا عن ماضي الإنسان، أو تعديلا ملفقا في سجل الكتاب المقدس، أو ضربا من التاريخ التدنيسي المزيف بالكامل، لكن لا شك أنها من وجهة نظر لوك لم تكن ضربا من التاريخ على الإطلاق؛ إذ إنها كانت حقيقة قائمة في العالم في عصره بقدر ما هي حقيقة قائمة منذ آلاف السنين، وترمي بظلالها على جميع المجتمعات السياسية الإنسانية طوال أي مستقبل محتمل. ولم يكن ما أوضحته تلك الحالة للإنسان الشكل الذي كانت عليه حياته في الماضي، وإنما ما يمكن أن تبلغه السلطة السياسية بين البشر مستقبلا.
كانت مسألة ما يمكن أن تبلغه السلطة السياسية بسيطة بما يكفي: الجمع بين السلطات التي في أيدي البشر تنفيذا لقانون الطبيعة، وما يترتب على ذلك من تخلي عموم المجتمع السياسي عن هذه السلطات بمختلف أشكالها. تمثلت مزايا هذا الدمج في أنه يقدم فرصة أكبر للحكم بحيادية على قواعد الحياة العامة ووضعها موضع التنفيذ، وكذلك في تحسين توقعات إقرار السلام التي يطرحها هذا الحياد. أما عن خطورة هذا الدمج، وهي الخطورة التي كانت تستحوذ على ذهن لوك أثناء الكتابة، فقد تمثلت في الزيادة الهائلة في السلطة القسرية التي منحها هذا الدمج للحاكم السياسي صاحب السيادة، بالإضافة إلى الخطر القائم على الدوام في احتمال إساءة استخدام هذه السلطة أيضا؛ فالتحيز سمة رئيسية في الطبيعة البشرية، وكلما زادت السلطة زادت مخاطر التحيز وفداحة عواقبه؛ وحيثما ازداد فساد السلطة بفعل المداهنة والخضوع، صارت مخاطر التحيز أوسع نطاقا. أدرك لوك ما تمثله السلطة العليا من قيمة فعلية لخدمة الأغراض البشرية، لكنه كان يخشاها أيما خشية، وظن - مثلما لا يزال لدينا جميع الأسباب التي تدفعنا إلى أن نظن مثله - أنه لا يمكن الوثوق فيها إلا عندما يرى الأشخاص المنوطون بها أنهم مسئولون (ويمكن أن يتحملوا المسئولية) تجاه الأشخاص الذين يمارسون تلك السلطة عليهم.
تشكل كثير من الدول في عصر لوك - بحسب معرفة لوك نفسه - عن طريق الغزو والمعارك العنيفة؛ ومن ثم لم تكن السلطة السياسية في تلك الدول ترتكز بأية حال على دمج سلطات مواطنيها تنفيذا لقانون الطبيعة. وحسبما يرى لوك، لم تكن تلك الدول تمتلك سلطة سياسية شرعية على الإطلاق، بل كانت عبارة عن كيانات أسست على القوة، وليس الحق؛ فهي ليست بمجتمعات مدنية على الإطلاق. ولم تكن علاقة المعتدي بالمعتدى عليه، حتى بعد قرون من الزمان، علاقة سلطة سياسية، وإنما هي علاقة حرب مقنعة (رسالتان في الحكم، الرسالة الثانية).
تعتمد السلطة السياسية في المجتمعات المدنية على مبدأ الاتفاق، أو التراضي، في نهاية الأمر. وفي المقابل، يتعارض النظام الملكي المستبد مع المجتمع المدني (رسالتان في الحكم، الرسالة الثانية)، وغالبا ما كان يتعين على المواطنين التابعين للنظام الملكي المستبد أن يطيعوا الممسك بزمام السلطة السياسية، إذا كان ما يأمر به في ذلك الحين فيه نفع، أو إذا كان عصيان أوامره سيلحق ضررا وخطرا بالآخرين؛ بيد أن الممسك بزمام السلطة السياسية ليس له الحق بأية حال في توجيه أوامر إلى رعاياه، وما من شيء يخول لإنسان أن تكون له سلطة سياسية على أشخاص بالغين إلا بموافقة هؤلاء الأشخاص أنفسهم. وكان هذا رأيا خطيرا، أثار إشكاليتين أساسيتين لدى لوك؛ أولهما: الإشكالية التي كانت ذات أهمية بالنسبة إلى فيلمر، وهي إثبات أن هذه الاتفاقيات قد حدثت بالفعل، لا سيما في إنجلترا. وثانيهما: الإشكالية الأهم في ضوء النقد الفوضوي الحديث لمفهوم السلطة السياسية نفسه؛ وهي بيان الأسس المنطقية التي يمكن على أساسها افتراض أن كل فرد بالغ في أي مجتمع سياسي شرعي قد وافق على حاكمه السياسي. لم يكن رد لوك بليغا في أي من الحالتين؛ فقد تملص لوك من التحدي التاريخي الذي يقتضي تقديم نماذج على هذا الاتفاق، وبيان اللحظة الفعلية في تاريخ إنجلترا التي حدث فيها هذا الاتفاق، وبما أن جميع أطراف النزاع في أزمة الإقصاء قد اتفقت على أن إنجلترا دولة شرعية، وتظاهر الجميع بتأييده - ولو بالكلام فقط على أقل تقدير - لدور المؤسسات النيابية الإنجليزية في رفع موافقتهم على التشريع، فلم يكن هذا بوسيلة مكلفة على الإطلاق. أما فيما يتعلق بالتحدي الثاني المتمثل في بيان الكيفية التي يمكن بها افتراض أن كل فرد بالغ في أية دولة شرعية يستطيع الاضطلاع بواجبات سياسية صريحة وواضحة تجاه تلك الدولة، وأنه يتحمل تلك الواجبات بالفعل، فقد تناوله لوك على نحو أكثر تفصيلا من خلال التمييز بين نوعين من الموافقة: الموافقة الصريحة (العلنية)، والموافقة الضمنية. من خلال الموافقة الصريحة يصير المواطن شخصا له كامل العضوية في مجتمعه طوال الوقت، يتمتع بكل الحقوق والواجبات المترتبة على تلك العضوية؛ أما الموافقة الضمنية، وهي الأسلم للمواطن، فإنها تجعل المواطن خاضعا لقوانين دولته ما دام فيها، لكنها لا تمنحه عضوية المجتمع ولا الحقوق المترتبة على هذه العضوية (ويقصد بها حقوق الاختيار السياسي في المقام الأول). فسرت الموافقة الصريحة السبب في تمتع أعضاء نظام الحكم الشرعي بنطاق مناسب من الحقوق والواجبات، لكنها فعلت ذلك من خلال التجاهل المداهن لحقيقة أنه ما من مواطن إنجليزي في ذلك الوقت كان يتحمل طواعية تلك المسئوليات عند بلوغه سن الرشد؛ أما الموافقة الضمنية، فإنها تضمن - على نحو تطميني - أنه على جميع المواطنين في إنجلترا الإذعان للقانون، لكنها تلقي قليلا من الضوء على الذكور البالغين المعاصرين للوك الذين يرى لوك أنهم يتمتعون بكامل العضوية في مجتمعه.
لكن خلال أزمة الإقصاء لم يكن نطاق العضوية في المجتمع السياسي مثار جدل وخلاف بالغ، على نحو ما كان في مناقشات بوتني أثناء الحروب البرلمانية بين رواد حركة أنصار المساواة، وقائديهم العسكريين كرومويل وهنري إرتون في شتاء عام 1647. صاغ لوك معالجته لفكرة التراضي من أجل أن يتناول مجموعة من القضايا الأقل تطلعا، وكان الهدف منها في المقام الأول أن تفسر السبب في إمكانية وجود علامة جوهرية فارقة بين المجتمعات السياسية الشرعية والأخرى غير الشرعية، وهي الإمكانية التي أنكرها كل من فيلمر وهوبز. المجتمعات السياسية الشرعية هي تلك المجتمعات التي يكون للحكومة فيها حق الطاعة. وتقدم الواجبات التي يدين بها الأفراد بعضهم تجاه بعض بموجب قانون الطبيعة - حتى في الحالة الأصلية فيما قبل بناء المجتمعات - تفسيرا كافيا لوجوب طاعة الحكام على معظم الأفراد غالبية الوقت في المجتمع السياسي المستقر. لم تكن نظرية لوك عن التراضي نظرية حول الالتزامات السياسية للمواطنين، والكيفية التي يتسنى بها أن تكون ثمة واجبات سياسية على المواطنين. وعلى نحو أكثر تحديدا، فإنها لم تكن غالبا مجرد محاولة بائسة كي يثبت للساخطين اجتماعيا أن مصدر الأمان الكامل لهم يكمن في الحفاظ على النظام الاجتماعي، وإنما هي بالأحرى محاولة لشرح الكيفية التي يتسنى بها أن تكون للحكام (حكام المجتمعات المدنية، على الرغم من أنهم ليسوا حكاما لأنظمة ملكية مستبدة) حقوق في السلطة السياسية.
Неизвестная страница