ثم غيرت مجرى الحديث إلى مختلف الشئون العادية، فجلسوا جميعا يتجاذبون أطرافه في صفاء وسرور.
وبعد قليل فوجئ الجميع بسماع ضحكات عالية في غرفة الاستقبال، ثم دخل حبيب ومعه أدما ووالدتها وفي وجوههم دلائل البشر والابتهاج، وبعد أن حيوا سلمى وهنئوها بالسلامة وبعودة سليم، انضموا إلى المجلس، واشتركوا في الحديث. •••
كان حبيب قد آثر الانتظار وحده في غرفة الاستقبال حين مضت والدته لدعوة سليم إلى مقابلة سلمى في غرفتها، ليفسح له المجال لإظهار عواطفه. وفيما هو كذلك جاءت أدما ووالدتها فوجدتا الباب الخارجي للمنزل مفتوحا، فدخلتا وفوجئتا بوجود حبيب وحده في غرفة الاستقبال، فنهض مرحبا بهما، وهم بيد أدما فأمسكها وأجلسها بينه وبين والدتها، ثم أخذ يشرح لهما حكاية سليم وسلمى من أولها إلى آخرها، ومساعيه لإعادة الوفاق بينهما، إلى أن وصل إلى زيارته الأخيرة لسلمى لتلاوة خطاب سليم عليها، وما تلا ذلك من دخول أدما مع شقيقته عليهما، ثم انصرافها غيرانة غاضبة. فاعترفت أدما بأنها تسرعت وأخطأت بما تفوهت به أثناء ثورتها أمام شفيقة. لكنها بقيت في حيرة من أمر خطابها إلى حبيب وكيف وصل إلى سلمى، فروى لها ما حدث من أن سليما هو الذي عثر بذلك الخطاب اتفاقا حين كان مريضا بمنزلهم في حلوان، فظن هو الآخر مثل ظنها وبعث الخطاب إلى سلمى وهو يحسبها كاتبته لمشابهة خطه خطها، متهما إياها بالغدر والخيانة مما سبب مرضها الذي ما زالت تعانيه.
وهكذا صفا الجو بين حبيب وأدما، ثم نهضوا وهم يتضاحكون ودخلوا غرفة سلمى مسلمين مهنئين.
وفيما هم جميعا هناك، جاء الخواجة سليمان، فرحب بالضيوف ولا سيما سليما ووالدته، وجلس يشاركهم الحديث بعد أن اطلع على ما حدث باختصار.
ثم قالت والدة سليم لوالدة حبيب: «إن كل ما أتمناه الآن أن نحتفل جميعا في وقت واحد بعقد خطبة سلمى لسليم وأدما لحبيب.»
فأطرقت سلمى وأدما خجلا، ووافق الجميع على ذلك، وقال حبيب: «لكي تتم فرحتنا، يجب أن ننتقم أولا من داود الدساس الكذاب وسعيدة العجوز الماكرة.»
فضحك الخواجة سليمان وقال: «لقد أراحنا الله منهما وانتقم منهما أعذب انتقام.»
فعجب الجميع لهذا النبأ، والتفوا حوله مستفسرين عما حدث لهما، فقال: «مررت منذ ساعتين بقسم البوليس فوجدت زحاما شديدا هناك، وعلمت أن رجلا حاول قتل امرأة عجوز، فقبض البوليس عليه رهن محاكمته على هذه الجريمة وعلى ما اتهمته به المصابة من أنه حصل على جانب من تعويضات الإسكندرية زورا وبهتانا. ثم رأيت بعض الجنود وهم يحملون العجوز المصابة إلى المستشفى وهي بين الموت والحياة، وما كدت أرى وجهها حتى تبينت أنها عجوز النحس سعيدة الماكرة الخبيثة. ولم أكن أعلم تفصيل ما وقفت عليه الآن من لؤمها وخبثها، وإن كنت لم أشعر بالارتياح إليها منذ التحاقها بالخدمة هنا، فحزنت على ما أصابها ولعلها قد انتقلت الآن إلى جهنم وبئس القرار.»
فقالت سلمى: «على الباغي تدور الدوائر.» وأمن الجميع على كلامها وهم يحمدون الله على أن كفاهم مئونة الانتقام من تلك العجوز وصاحبها الخائن الجشع المحتال.
Неизвестная страница