Интеллектуальные аспекты в различных социальных системах
الجوانب الفكرية في مختلف النظم الاجتماعية
Жанры
وأخيرا، فإن المستهلك بدوره مغترب عن نفسه في المجتمع الرأسمالي؛ ذلك لأن النظام لا يعمل على إشباع حاجات الإنسان الحقيقية، وإنما يخلق حاجات زائفة، الهدف الوحيد منها هو أن تكون مجالا لمزيد من الربح والتوسع، ولكن على حساب تكامل الشخصية الإنسانية وتوازنها، وعلى حساب الاستخدام الرشيد لموارد المجتمع. فالمفروض أن يكون الإنتاج تلبية لحاجات موجودة بالفعل، ولكن كثيرا ما يحدث في المجتمع الرأسمالي أن يكون الإنتاج هو الأصل، وأن تظهر الحاجات فيما بعد، لا لشيء إلا لتصريف هذا الإنتاج فحسب. وهكذا يعمل الإعلان على إقناع الناس بأمور تافهة تتحول لديهم بالتدريج إلى ضرورات، مع أنها في الأصل لا تلبي أية حاجة حقيقية لديهم. ففي البلاد الرأسمالية الكبرى تصرف الملايين على أنواع متعددة متنافسة من «أكل الكلاب»، أو على السيارات الفاخرة التي لا يحتاج الإنسان فعلا إلى ربع الطاقة التي تسير بها، والتي يتغير طرازها عاما بعد عام. ويستعين الإعلان بأحدث أساليب البحث النفسي ليبث في نفوس الناس اقتناعا زائفا بأن قيمتهم في المجتمع يحددها طراز السيارة التي يركبونها، وبأن ضخامة السيارة واتساعها وزيادة طاقة محركها علامة من علامات علو المكانة. وهكذا تفسد طباع الناس، وتخلق فيهم عادات سلوكية سطحية تافهة، ويعتادون بالتدريج التعلق بالمظهر السطحي بدلا من الجوهر الحقيقي، وتفرض عليهم حاجات مزيفة تنطوي على تبديد للموارد المادية، فضلا عن تحطيم المبادئ المعنوية، لا لشيء إلا لغرض الربح. وحين تسود على هذا النحو عقلية الاستهلاك لأجل الاستهلاك، لا من أجل تلبية حاجات حقيقية، أو تحقيق ماهية الإنسان، فعندئذ يكون المستهلك بدوره قد اغترب عن ذاته؛ لأنه لم يعد يعرف ما هو في حاجة إليه من أجل استكمال إنسانيته؛ ولأن المطالب العرضية الزائفة أصبحت لها الغلبة على مطالبه الجوهرية. كل ذلك لكي يستطيع رأس المال أن يواصل توسعه، ولكي تستمر أرباحه في التدفق.
وهكذا يبدو الاغتراب منتميا إلى صميم الكيان الرأسمالي ذاته، ويصبح هو الوضع المميز للعامل إزاء وسائل إنتاجه وحصيلة عمله، وللرأسمالي إزاء عماله ومنافسيه، بل وإزاء ذاته، وللمستهلك إزاء حاجاته ومطالبه الإنسانية. إنه هو التعبير الصادق عن الوضع الإنساني في ذلك المجتمع، ومن المستحيل مواجهة هذا الوضع مواجهة حاسمة إلا بالخروج على النظام الرأسمالي نفسه. (2) الاشتراكية نزعة إنسانية
كانت تلك نقطة بداية كثير من المذاهب الاشتراكية في دعوتها إلى ضرورة القضاء على النظام الرأسمالي، الذي يجعل الإنسان عبدا لنفس القوى التي خلقها بيديه. فالاشتراكية تدعو الإنسان إلى السيطرة مرة أخرى على القوى التي أصبحت مسيطرة عليه، خارجة على إرادته. وهي تطالب بإعادة هذه القوى مرة أخرى إلى الإنسان، بدلا من تبديدها وتشتيتها خارجا عنه. وعلى هذا الأساس تكون الاشتراكية في صميمها نزعة إنسانية، هدفها أن تستعيد الإنسان المتكامل، الذي يجمع ما فرقته الرأسمالية من شتات، ويعيد ضمها إلى ذاته.
ومن هذه الزاوية تبدو المرحلة الاشتراكية سعيا إلى تحقيق جميع الإمكانات المادية والمعنوية للإنسان. وهي حين تفعل ذلك لا تستهدف التقدم المادي وحده على حساب التقدم المعنوي؛ ذلك لأننا لو قسنا المراحل المختلفة بمقياس ما أحرزته من تقدم مادي، فإن المرحلة الرأسمالية ستحتل دون شك مكانة هامة في تاريخ الإنسانية؛ لأن البشرية حققت فيها مكاسب مادية لا يمكن إنكارها، ومع ذلك فإن هذه المكاسب كانت تتم في كثير من الأحيان على حساب معنويات الإنسان وأخلاقياته.
فحين نستعرض أسباب النجاح الاقتصادي للرأسمالية، يجب ألا يغيب عن أذهاننا أنها لم تقتصر على استغلال الموارد الاقتصادية لأوروبا الغربية وقارتي أمريكا، وهي مناطق حافلة بالموارد الطبيعية الغنية، التي لم تكن قد استغلت بعد في حالة أمريكا بالذات، بل إنها قد استفادت أيضا بفضل الاستعمار المباشر والاستغلال الاقتصادي من موارد العالم بأكمله، وذلك بوسائل هي أبعد ما تكون عن التبادل النزيه. ففي الحالات التي لم يكن فيها الاستغلال استعماريا مباشرا يستنزف موارد شعب واقع تحت قبضة الاستعمار، كان الغش والاغتصاب هو القاعدة التي يتم على أساسها التبادل، وكانت المعاملات بين الدولة الرأسمالية والدولة الأضعف بعيدة كل البعد عن التكافؤ. في مثل هذه الحالات لا يكون من المستغرب أن تحرز الدول الاستعمارية أو الاستغلالية تقدما اقتصاديا سريعا، ولا ينبغي أن يعزى هذا التقدم إلى فضيلة كامنة في نظامها الرأسمالي، بل إن سببه الأهم هو أنها لا تتورع عن الالتجاء إلى أبعد الطرق عن الشرف في سبيل التفوق على الغير. ولقد أشار أحد زعماء الزنوج في أمريكا ذات مرة إلى التقدم الاقتصادي الهائل لبلاده، فأرجعه إلى عوامل من أهمها استغلال عمل الملايين من الزنوج لمدة عشرات بل مئات من السنين بلا أجر، حين كان الزنوج عبيدا، أو بأجر اسمي زهيد، بعد أن تحرروا شكليا من حالة العبودية. وتساءل في هذا الصدد: هل من المستغرب إذا وجد تاجران أحدهما لا يدفع لعماله أجورا والآخر يدفع لهم أجرهم بانتظام أن يتفوق الأول على حساب الثاني؟
هذا مجرد مثل بسيط يوضح سببا من أسباب التقدم في المرحلة الرأسمالية، ولكنه في الوقت ذاته يكشف عن ضخامة المسئولية الملقاة على عاتق النظام الاشتراكي؛ ذلك لأن على هذا النظام أن يحقق، بوسائل نزيهة يقضي فيها على استغلال الإنسان للإنسان، تقدما يفوق ما أحرزته الرأسمالية بوسائل سهلة تفتقر إلى النزاهة. فالتحدي الأكبر الذي يواجه النظام الاشتراكي ليس مجرد التقدم، وإنما هو بلوغ التقدم في ظل علاقات إنسانية سليمة. (3) القيم الإيجابية في النظام الاشتراكي (1)
إن الاشتراكية تتخلص من روح المقامرة التي تسود النظام الرأسمالي، حيث تنتشر المضاربة في الأسهم سعيا وراء ربح لا يقابله أي عمل أو مجهود، بل إن أقصى ما يمكن أن يكون قد بذل فيه من جهد هو استخدام ذكاء المقامر. وهي تسعى إلى القضاء على الانفصال بين رأس المال وبين العامل المنتج، وذلك حين تجعل الملكية وظيفة اجتماعية بحيث يشعر كل من يعمل بأن له فيها نصيبا. «وتقوم الاشتراكية على إدراك صحيح لقيمة العمل» ومن هنا فإنها تحاول بقدر طاقتها أن تجعل لكل فرد في المجتمع مستوى يعادل مقدار الجهد الذي يبذله ذلك الفرد في خدمة المجتمع. ويترتب على ذلك أن تستغني الاشتراكية عن الطفيليات الاجتماعية التي تعيش على عمل الآخرين، وعن أولئك «العاطلين بالوراثة» الذين لا فضل لهم سوى انتمائهم إلى أسر من مستوى اجتماعي معين. (2)
وبالمثل فإن الاشتراكية، في سعيها إلى التقدم، لا تعمل على خلق حاجات زائفة لدى جمهور المستهلكين من أجل توسيع دائرة النشاط الاقتصادي في مجال ما؛ ذلك لأن ما يحدث في المجتمع الرأسمالي من إصرار على التوسع لأجل التوسع، يمكن أن يؤدي إلى اختلاف هائل في توازن الحاجات الاجتماعية، بحيث يتوقف مقدار نجاح أي مرفق اقتصادي على قدرته على الدعاية لنفسه واجتذاب العملاء، لا على تلبيته لحاجات حقيقية في المجتمع. وهكذا تزدهر صناعة أدوات الزينة مثلا ازدهارا هائلا، وتتعدد أنواع هذه الأدوات بلا مبرر؛ لأن أجهزة الدعاية تنجح في خلق طلب زائف على كل نوع جديد تبتدعه هذه الصناعة منها. أما في النظام الاشتراكي فإن الحاجة إلى سلعة كهذه تقاس بالحاجة إلى سلع أخرى أكثر حيوية - كالكتاب مثلا - وتعطي كل سلعة ما تستحقه من جهد واهتمام تبعا لحاجة المجتمع الحقيقية إليها.
وهكذا يظهر مبدأ التخطيط في المجتمع الاشتراكي بوصفه وسيلة لتحقيق التوازن بين حاجات المجتمع وبين ما يستطيع أن ينفقه على هذه الحاجات من موارد. فالتخطيط في أساسه جهد يبذل من أجل التخلص من فوضى الإنتاج، ومن أجل تحقيق النظرة الشاملة إلى موارد المجتمع، وتوزيعها حسب الأولويات على مطالبه وحاجاته. ومثل هذه النظرة الشاملة يستحيل أن تتحقق في المجتمع الرأسمالي، الذي تسعى فيه كل صناعة، وكل شركة، إلى نفعها الخاص، حتى ولو كان ذلك على حساب الآخرين. ومن الواضح أن لمبدأ التخطيط في المجتمع الاشتراكي قيمة معنوية كبرى، إلى جانب قيمته المادية. فهو من جهة يساعد على ترشيد الإنتاج في المجتمع على النحو الذي يضمن له نموا متوازنا لا يطغى فيه جانب على جانب إلا بمقدار ما يلبي من حاجات حقيقية للمجتمع. وهو من جهة أخرى يساعد على انتشار مبادئ معنوية لا غناء عنها لكل مجتمع يسعى إلى تقدم حقيقي، كمبدأ النظرة الكلية إلى الأمور، بدلا من النظرة الجزئية، والبحث عن نفع المجتمع ككل بدلا من نفع قطاعات معينة منه، والتخلص من أنانية الأجيال عن طريق التخطيط للمستقبل القريب والبعيد. (3)
ومن هنا كانت الاشتراكية هي وحدها المرحلة التي تتحقق فيها للإنسان «حريته الحقيقية». ومن الضروري أن نفرق في هذا الصدد بين الحرية الحقيقية وبين الحرية الوهمية؛ ذلك لأن أنصار الرأسمالية هم أكثر الناس حديثا عن الحرية وتشدقا بها، حتى لقد وصل بهم الأمر إلى حد تسمية العالم الذي يطبق فيه نظامهم باسم «العالم الحر». وبالفعل كان الاقتصاد الرأسمالي منذ بداية عهده، ولا يزال حتى الآن، يسمي نفسه باسم الاقتصاد الحر، وكان ازدهار الرأسمالية مرتبطا بفهم معين للحرية، هو حرية الأعمال التي لم يكن من المشروع التدخل في مسارها لأنها - كما يعتقد - تنظم نفسها وفقا لمقتضيات السوق، ووفقا لمصالح المنتج والمستهلك في نهاية الأمر.
Неизвестная страница