Мировая литературная премия, например, Нобелевская премия
جوائز الأدب العالمية: مثل من جائزة نوبل
Жанры
مقدمة
جوائز الأدب العالمية
أكبر من الجائزة
التفاوت بين الأمم في جوائز «نوبل»
شروط جديدة لجائزة نوبل الأدبية
الجائزة والأدب النسائي
جائزة نوبل وموضوعات الأدب
رافض الجائزة
المستحق بين المستحقين
تاجور
Неизвестная страница
درجات المثل الأعلى في جائزة نوبل
باسترناك
جائزة الكاتب وجائزة الكتاب
خاتمة المطاف
مقدمة
جوائز الأدب العالمية
أكبر من الجائزة
التفاوت بين الأمم في جوائز «نوبل»
شروط جديدة لجائزة نوبل الأدبية
الجائزة والأدب النسائي
Неизвестная страница
جائزة نوبل وموضوعات الأدب
رافض الجائزة
المستحق بين المستحقين
تاجور
درجات المثل الأعلى في جائزة نوبل
باسترناك
جائزة الكاتب وجائزة الكتاب
خاتمة المطاف
جوائز الأدب العالمية
جوائز الأدب العالمية
Неизвестная страница
مثل من جائزة نوبل
تأليف
عباس محمود العقاد
مقدمة
صاحب الجائزة: ألفريد نوبل1
اسم يدوي في العالم مع دوي المفرقعات، ويدوي في العالم مرة على الأقل كل سنة مع أصحاب الشهرة العالمية في السياسة والعلم والأدب، ووراء ذلك الدوي سيرة للرجل ظاهرة، وأخرى باطنة هي التي تعنينا؛ لأننا نعرف منها صاحب الجوائز، ونعرف منها بواعث عمله الباقي الذي تناط به ذكراه: رجل وديع لطيف قضى حياته يشعر بالفراغ، ويتشاغل بالعمل الدائب عن هذا الفراغ، ولا يحس بنفسه خلوا من شواغل العمل إلا ليحس في ضميره بخيبة الأمل، ويحس في جسده بالوهن والحاجة إلى السكينة والعزلة.
طلب إليه أخوه لدفيج نوبل أن يكتب تاريخ حياته، فكتب إليه ما فحواه: إن له نصف حياة في الواقع، وإن هذا النصف كان حقيقا أن يتولاه عند ولادته طبيب من محبي الخير، يكتم أنفاسه ساعة بدرت منه الصيحة الأولى على أبواب الدنيا.
وأراد - بسليقته الأدبية - أن يسطر ترجمته في صورة بطاقة من بطاقات الشخصية فسطرها على الصورة التالية:
ألفريد نوبل:
نصف إنسان
Неизвестная страница
Demi-man
ضئيل، كان ينبغي أن يتاح له طبيب طيب يقضي عليه يوم قدم صارخا إلى دنياه.
مزاياه:
ينظف أظافره، ولا يحب أن يثقل على أحد.
نقائصه وأخطاؤه:
بغير أسرة، كئيب، سيئ الهضم.
أهم رغباته:
ورغبته الوحيدة ألا يدفن بقيد الحياة.
خطاياه:
لا يعبد إله «المامون»!
Неизвестная страница
حوادث حياته الهامة:
لا شيء .
بطاقة حزينة، فيها مسحة ساخرة، لا يخطر لأحد من المطلعين على حياة الرجل من أهله وصحبه أنه كان مدعيا فيها للتواضع، أو متكلفا للظهور بمظهر الترفع عن الشهرة وبعد الصيت ... وإن الناس - اليوم وقبل اليوم - ليعجبون كيف تخلو حياته من شيء هام يذكره في «بطاقته الشخصية»! وكيف تكون أمنيته الوحيدة في الحياة أن يدفن بعد الموت ولا يدفن بقيد الحياة! وحبذا لو لم يكن دخلها ولم يعرف ما يتمناه فيها وما يحذره منها منذ اللحظة الأولى.
والعجب من هذا حق، ولكنه يزول كلما رجعنا إلى أنفسنا، ولمسنا الفارق في أعمالنا بين ما يهمنا وما يهم الناس فيها، فقد تكون الجوهرة الغالية حلية يتنافس عليها الذين يشترونها، والذين يلبسونها، والذين ينظرون إليها، ولكنها عند الذي يصقلها ويعدها للتنافس عليها: إنما هي تعب الليل والنهار، وعمل من أعمال الحاجة والاضطرار.
وقد كان ألفريد نوبل يعيش حقا في فراغ أليم: بينه وبين وجدانه، وبينه وبين أقرب الناس إليه، وكان هذا الفراغ الأليم هو «أهم شيء» في حياته، إن أردنا أن نعرف الباعث له إلى خلق الاهتمام، وإلى خلق الاهتمام في إبان الحياة، وهو خير عنده من الاهتمام بالذكريات وبالآثار بعد زوال الحياة. •••
وإن هذا الفراغ الذي أضجره على عيشته، وأسخطه على الواقع الملموس في دنياه لعجيب عند من ينظرون إلى شهرة الرجل، ويسمعون بأعماله ومخترعاته، ويعرفون شيئا عن ثرائه ووفرة أرباحه من مصانعه التي انتشرت بين عواصم الغرب وهو في عنفوان شبابه، ولكنه فراغ لا يعجب له من يعلم أنه قضى عمره منذ طفولته دون العاشرة، ولم يمتلئ فؤاده قط من شعور الوطن ولا شعور السكن، ولا شعور الحب والثقة بإنسان من عشرائه وشركائه، ولا بمبدأ من المبادئ التي كانت تروج دعواها بين الناس في زمانه، وهو أعلم من سواه بحقائق هذه الدعوى وراء الستار.
فقد فارق وطنه في طفولته؛ ليلحق بأبيه في عاصمة روسيا التي اختارها مركزا لتجربة مشروعاته ومخترعاته، ثم قضى سائر عمره إلى يوم وفاته متنقلا بين روسيا وأمريكا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وعواصم الدول، أو ضواحي النزهة والاستشفاء، وأتقن في رحلاته هذه ثلاث لغات غير لغته الأصلية، وهي الإنجليزية والفرنسية والألمانية، ولكنه كان في «حياته اللغوية» مثالا للغربة والانقطاع عن وشائج الفكر في أعماق النفس البشرية، وقد ظهر ذلك من إخفاقه في محاولاته الأدبية، فكان ينظم الشعر بالإنجليزية، فيجيد غاية الإجادة التي يملكها الناظم الغريب عن اللسان والبيئة، ثم يعود إلى لغة الأم - كما يقال أحيانا عن لغة الوطن - فإذا هو غريب عنها يحاول أن يودعها سرائر وجدانه، فكأنه ينقلها من لسان إلى لسان، ومن بديهة إلى بديهة؛ وكأنه في هذه المحاولة يوسط أحدا بينه وبين نفسه قبل أن يوسط الترجمان بينه وبين القراء.
وشعر السري العالمي بالحاجة إلى طمأنينة السكن: إلى «البيت» الذي يأوي إليه الأب والابن والقرين والقريب، ولا تفلح في بنائه الأموال والأمتعة إن لم تتوطد له أركانه الأربعة بين حنايا الصدور.
وكان يتمنى أن يسلم هذا البيت إلى الفتاة التي يهواها، ولكنه فقدها في إبان صباها، ثم أوفى على السن التي ينظر فيها إلى تقرير مصيره «البيتي» قبل فوات أوان التفكير في هذا المصير، وأوشك أن يجد ربة البيت التي توافقه في سنه، وتوافقه في مزاجه، وتوافقه في عمله، فعملت عنده النبيلة «برتا كنسكي» النموسوية كاتبة لرسائله ومديرة لبيته، وكانت في الثالثة والثلاثين وهو في الثالثة والأربعين، فلما أحس ذات يوم أنه يحبها ويرتضيها قرينة لحياته لم يشأ أن يستغل حاجتها إليه وأن يفاتحها بهواه قبل أن يتبين جوابها المنتظر لما سيعرضه عليها في غير حرج ولا اضطرار إلى المواربة، فسألها: أهي طليقة القلب؟ ولم يكن جوابها إلى اليأس ولا إلى الأمل؛ لأنه علم منها أنها أحبت فتى من نبلاء بلادها، وأحبها الفتى فنهاه أهله عن الاقتران بها؛ لفقرها وتفاوت السن بينه وبينها، وأنها هجرت وطنها لتنسى، ولعلها وشيكة أن تنسى ... ولكنه ذهب في رحلة من رحلاته فكتبت إليه في غيبته تستودعه وتعتذر إليه من سفرها قبل عودته، ثم علم أنها استجابت لدعوة عاجلة من فتاها ، وأنه تمرد على مشيئة أسرته فتزوج بها وأرجأ إعلان الزواج إلى أن يقنع الأسرة بقبوله. وقضي على السري العالمي مرة أخرى أن يأوي إلى العالم كله، ولا يأوي إلى بيت. •••
وقد ربح ألفريد نوبل منذ شبابه ثروة عريضة من مخترعاته ومقاولاته، وربح في كهولته ثروة أعرض منها وأوسع انتشارا بين حواضر العالم وعواصم الدول ومراكز الحياة الاجتماعية، فلم تعطه الثروة العريضة في شبابه وكهولته تلك الثقة التي يفتقر إليها ويود أن يطمئن إلى ركن من أركانها؛ لأنه كسب الثروة من صناعة «المتفجرات»، وهي يومئذ تنوء بأوزار قضية التسليح وقضية السلام، وتتجسم بين أيدي العاملين فيها فضائح الرياء والسمسرة والرشوة ومكائد الجاسوسية.
Неизвестная страница
ومن سخرية الحظ أن ثروة نوبل جلبت له شيئا مذكورا من ألقاب الدول التي جرى العرف على تسميتها بألقاب الثقة والتقدير، أو ألقاب الجدارة والاستحقاق؛ فزادته شكا ولم تزده ثقة، ونقل عنه أنه كان يقول: إنه مدين لألقابه من حكومات الشمال لبراعة طباخه، وللمعدات الأرستقراطية التي كانت تقدر براعة ذلك الطباخ، وأنه مدين بألقابه الفرنسية لصداقة أحد الوزراء، وبألقابه من أمريكا الجنوبية لزيارة هذا الرئيس، أو لولع ذلك الرئيس بتمثيل أدوار التشريف والإنعام.
2
وهكذا تكشف لنا هذه الصفحة الباطنة عن رجل وديع، لطيف المزاج، بحث عن الطمأنينة والثقة فلم يجدها في حياته، فتعزى بالعمل لتحقيق الطمأنينة والثقة بعد مماته، وحرص على تقدير العاملين لهما وشعورهم بهذا التقدير وهم بقيد الحياة، وما العمل لتحقيق الطمأنينة والثقة إلا العمل - بعبارة أخرى - لتحقيق السلام والإيمان بالمثل الأعلى؛ مناط الثقة التي لا يدركها المشغولون بالواقع المحدود، ويزيده كلفا بهذه الغاية أنه اخترع شيئا يصلح للتعمير في نطاقه الواسع، فلم يلبث أن رآه بين أيدي الناس سلاحا من أسلحة الحرب والدمار، فهو يرصد المال الذي ربحه من هذه الصناعة؛ للتكفير عن سوء أثرها في أيدي ساسة الأمم وزبانية الحروب، وما كان له من باب للتكفير غير هذا الباب إلا إلغاء ما صنع، ومحو ما اخترع، وليس ذلك بالنافع ولا بالمستطاع.
أما سيرته الظاهرة فقد أصاب حين قال: إنها لا تشتمل على حدث ذي بال، فإن «المتفجرات» لها دويها الذي يزعج الأسماع، ولكنها عند من يخترعها لا تعدو أن تكون سلسلة من الأرقام والمعادلات، وتجارب المحاولة والتنفيذ.
اضطرت الحياة أباه - عمانويل نوبل - أن يعمل وهو يقارب الرابعة عشرة، ثم أصابه نحس الطالع فاحترق بيته الذي اقتناه، وصفرت يده من المال والصفقة، فغادر ستوكهلم سنة 1837 إلى العاصمة الروسية، وألفريد - صاحب الجوائز - يومذاك في الرابعة من عمره، وبقيت ربة الأسرة في أرض الوطن مع أطفالها الصغار - وهم ثلاثة أبناء - مضطلعة وحدها بتربيتهم وتدبير معيشتهم في غيبة أبيهم، وفي انتظار الفرج من تلك المغامرة في البلد المجهول.
ووصل ألفريد إلى بطرسبرج وهو دون العاشرة، لم يختلف قبلها إلى مدرسة من مدارس التعليم المنتظم غير بضعة شهور، فعوض هذا النقص بالدروس التي كان يتلقاها على أستاذه الخاص في داره، ثم انقطعت هذه الدروس أيضا وهو في السادسة عشرة، فتعلم باجتهاده وفطنته كل ما وعاه من تلك المعارف التي أعانته على الاختراع والإدارة، وتحصيل ما حصل من ثقافة جعلته ندا مشهودا له بالفضل بين أصحابه وعشرائه من نخبة العظماء.
وتحل بالأسرة كارثة جديدة تذهب بمصنع ألفريد وأخيه الصغير إميل (1864)، ولم يفق أبوه من جرائرها حتى قضى نحبه (سنة 1872)، ونهض ألفريد بالعبء كله في تجديد المصنع، والإشراف على معاملاته ومعاملات أسرته بين الأقطار التي زارها، وتعرف إلى أقطاب الأعمال فيها أثناء رحلاته أيام الطلب والاستطلاع.
ويتكشف معدن الرجل من قدرته على توسيع أعماله والنهوض من كبواته مع سوء ظنه بالناس عامة وبأقرب المقربين إليه بعد تجربتهم في أيام سعده ونحوسه، ومفاجآت رواجه وكساده.
وأدل من ذلك على معدن هذه النفس القوية أنها احتفظت بقوتها بين متاعب القلب والجسد، متاعب القلب حرفا ومعنى؛ لأنه كان مصابا بالذبحة الصدرية، ومتاعب الجسد من فرط الجهد ومن سوء الغذاء، أو من قلة هذا الغذاء الصالح الذي كانت تسمح به معدته الواهية.
وفي سان ريمو بإيطاليا في العاشر من شهر ديسمبر سنة 1896 توفي ألفريد نوبل ، بعد أن حقق مبادئه، فلم يحفل بنصيب الآحاد من ميراثه كما حفل بنصيب الجماعات، ومنه نصيب خدامها في ميادين الصناعة والصحة والأخلاق.
Неизвестная страница
وأعلنت وصيته بعد أيام من موته، ولكنها لم توضع موضع التنفيذ إلا بعد انقضاء أربع سنوات، وكان هذا التأخير من الأمور المنتظرة؛ لأنها تتطلب إجراءات شتى: قانونية وعملية، يتبعها وكلاء التنفيذ بغير إرشاد من صاحب الوصية، ولا سابقة من وصية قبلها، يهتدون بها، ويعملون على مثالها. •••
وبدأت اللجنة جوائزها الأدبية منذ السنة الأولى في القرن العشرين، وكان أول المختارين لها الشاعر المفكر الفيلسوف «رينيه سولي برودوم» عضو الأكاديمية الفرنسية؛ «تقديرا لتفوقه في الأدب، ولا سيما الشعر الذي يتسم بالروح المثالية السامية والإتقان الفني والتوفيق النادر بين الضمير والعبقرية.»
جوائز الأدب العالمية
إن التحدث عن جوائز الأدب العالمية موضوع حاضر في كل وقت، متصل في كل موسم من مواسم الثقافة، وهو - على هذا - شائق ومفيد، تفضل باقتراحه خبراء الإذاعة العارفون بمطالب المستمعين، فحمدت اقتراحهم واستجبت إليه.
يحب الناس بالطبع حديث الجوائز، كما يحبون كل منظر من مناظر السباق والمباراة في ميادين النشاط الفكري أو ميادين الرياضة البدنية؛ لأنه يحفز النفس إلى التطلع، ويستنهضها إلى طلب العلم بأسباب السبق والشعور بالنقيضين المتقابلين، فوز السابق وتخلف المسبوق.
وفائدة النظر في أحكام المحكمين بين المتسابقين أبلغ وأكبر من لذة الشوق والاستطلاع إلى أسباب الفوز وأسباب الحرمان، فإن هذه الأحكام ميزان صادق لأمانة الفكر، ونزاهة الضمير، وصحة المعرفة، وما من دراسة للنفس البشرية أصلح من أحكام المحكمين في جوائز الأدب لمراقبة العقل والنفس والضمير معا بين مهب الأهواء، وشبهات الأغراض، ونوازع المعرفة والجهل، وأعراض التقلب والاستقرار؛ لأن التمييز على ضوء العقل وهدى البصيرة بين ثمرات القرائح الإنسانية هو المحك الصادق لكل فضيلة من فضائل الفهم النافذ، والخلق القويم، والقدرة على مغالبة الأهواء والشهوات؛ وفائدة الناظر في هذه الأحكام هي فائدة العلم بالطبيعة الإنسانية في قمتها العليا: وهي قمة الإدراك والإنصاف.
وجوائز الأدب العالمية كثيرة في العصر الحاضر، يتشعب الكلام عليها جميعا، فلا ينتهي إلى نتيجة محدودة، ويغني عن تتبعها في وقت واحد أن نقصر الكلام على مثال منها يصدق عليه ما يصدق عليها، فإذا اكتفينا منها بأقدمها وأشيعها وأعمها غرضا وأكبرها أثرا ففي ذلك بلاغ يغني عن التوسع والاستقصاء.
جائزة «نوبل» السويدية هي الجائزة التي تصدق عليها هذه الصفة بغير خلاف.
وليس الكلام على جائزة «نوبل» بالشيء الجديد ... فقد كثر الكلام في كل عام على تاريخها، وتاريخ صاحبها، وتواريخ الفائزين بجوائزها، كما كثر التعليق على اختيارها بين الموافقة والمخالفة، وبين الاستحسان والإنكار، ولنا أن نقول: بل بين التبرئة والاتهام.
ولكننا نحب أن نختار للكلام عليها بابا من التعليق والتعريف: بابا غير مطروق، أو بابا لم يطرقه الطراق من قبل حتى لا مفتتح فيه للعودة إليه، حينا بعد حين.
Неизвестная страница
إن أحكام لجنة الجائزة السويدية ميزان لثمرات القرائح والأذواق.
وتعليقا على أحكامها في هذه الصفحات هو «وزن الميزان» إذا شئنا أن نجمعه في كلمتين.
ما معيار هذا الميزان؟
ما مبلغه من الدقة؟
ما مبلغه من الصواب؟
ما هو مبلغ التعويل عليه من ناحية الكفاية العلمية أو كفاية المعرفة والدراية؟
هل هو مثل عال لما تبلغه الجوائز العالمية من الصواب والإنصاف؟ أو هناك فوق هذا المثل مثل أعلى منه وأقرب إلى التقدير الصحيح؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة بالآراء النظرية شرح يطول.
ولكن المقارنة العلمية أقرب من ذلك إلى التفاهم المتفق عليه، وسبيل المقارنة العلمية هو الموازنة بين أسماء معلومة معروفة القدر عند الجميع من المستحقين للجائزة، وممن لهم من أصحاب الشهرة العالمية التي تمحصت مع الزمن، وتساوت فيها الموازين بغير خلاف كبير.
ولنقابل إذن بين عشرة من الذين استحقوا الجائزة وعشرة من الذين لم يستحقوها، وليكونوا جميعا من الأدباء العالميين الذين اشتهروا منذ قيام اللجنة السويدية بأعمالها؛ أي منذ أوائل هذا القرن العشرين.
Неизвестная страница
أما العشرة الذين نذكرهم بغير ترتيب أو مفاضلة فهم: «كاردوتشي، كيلنح، رومان رولان، جالزورتي، تاجور، أناتول فرانس، برناردشو، برجسون، أندريه جيد، هنجواي.»
هؤلاء هم العشرة الفائزون.
أما غير الفائزين فهم كذلك بغير ترتيب ولا مفاضلة: أميل زولا، بول يورجيه، لون تولستوي، توماس هاردي، محمد إقبال، نقولا كزانزاكس، بلاسكو أباتير، أميل فاجيه، بنديتو كروشه، روبرت فروست.
ويلوح لنا هنا معيار المقارنة الواقعية لأول وهلة؛ لأن سماع الأسماء كاف للموازنة المتفقة بين الأحكام والأقدار.
فمما لا شك فيه أن المتروكين على الجملة لا ينتقصون في معيار من معايير الشهرة والاستحقاق عن الفائزين، ويجوز عند الكثيرين أن يكون المتروكون - على الجملة - أرجح في ميزان الشهرة والاستحقاق من جملة الفائزين.
وإذا جاز الخلاف في هذه الموازنة فهناك أسماء أخرى من الذين فازوا بالجائزة، لا يختلف اثنان في تقديرهم عند المقارنة بينهم وبين من ذكرناهم من الفائزين أو المتروكين.
وهذه عشرة أسماء، نذكرها كذلك بغير ترتيب ولا مفاضلة، وهم: يونتوييدان الدنمركي، وسيلانيا الفنلندي، ولالنس الأيسلاندي، وأسكندر يوتين الروسي، وسلفانور كواسمورو الإيطالي، وهيد نستام السويدي، وجون بيرس الفرنسي، وإيفواندريش اليوغسلافي، وايشيجاري الإسباني، وبول هيس الألماني.
فلا محل للتردد الطويل في حقيقة يجزم بها كل من يستمع إلى هذه الأسماء من المطلعين على أسماء الأدباء العالميين الذين توطدت لهم أركان الشهرة على ممر الزمن: إن هؤلاء الفائزين لم يرتفعوا إلى مكانة المتروكين بتقدير الصيت الذائع ولا بتقدير النبوغ المتفق عليه.
ولا محل - بعد ذلك - للتردد في حقيقة مثلها لا بد أن تترتب عليها؛ وهي أن جائزة نوبل ليست شهادة محققة برجحان من ينالها على من تتخطاه، وإن كثيرين ممن لم ينالوها أرجح قدرا، وأثبت فضلا، وأشيع ذكرا من الفائزين بها، فما معنى هذا التفاوت البين في أحكام اللجنة؟
هل معناه أنه خطأ راجع إلى المحاباة وتحكم الأهواء؟
Неизвестная страница
هل معناه أنه خطأ، ولكن لا يرجع إلى المحاباة بل إلى نقص في موازين النقد والتمييز؟
هل معناه أنه علامة على القصور في كفاية اللجنة لأداء مهمتها؟
أيصح أن تكون لجنة أخرى أقدر منها على النهوض بهذه المهمة العالمية؟
ظاهر الأمر أن هذه الظنون نتيجة لازمة لذلك التفاوت البين في أحكام اللجنة وتقديراتها.
ومهما يكن من مقطع اليقين في هذه الظنون فالمسلم به ، في غير تردد، أن لجنة نوبل ليست بالمعصومة من عوارض المحاباة والخطأ ولا من النقص في معايير النقد والتمييز، ولكنه حكم لا تنفرد به اللجنة السويدية وحدها ولا تسلم منه، على عمومه جماعة من بني الإنسان في كل زمان وفي كل مكان.
فإذا حسبنا للجنة قسمتها من الضعف الإنساني الذي لا محيد عنه، فمن الإجحاف بها أن تحال عيوب التفاوت في الأحكام كلها إلى اختيارها، وأن تلقى التبعة كلها عليها في ترجيح المجروحين وتطفيف ميزان الراجحين ... فإن هناك ظروفا كثيرة من طبيعة العمل في ذاته تعفي اللجنة من تبعات التفاوت في الحكم، وتجعل هذا التفاوت في بعض أحواله ضربة لازب لا حيلة لها - ولا لغيرها من لجان التحكيم - فيها. •••
أول هذه الظروف أن اللجنة مقيده بشرط مقدم على سائر الشروط في الكتابة التي تستحق الجائزة؛ وهو خدمة السلام والاتجاه بالكتابة إلى وجهة المثل الأعلى.
وسبب هذا الشرط - كما هو معلوم - أن مؤسس الجوائز «ألفريد نوبل» كان من مخترعي صناعة الديناميت، وكان يشفق من استخدام هذه المادة المهلكة في أعمال التسليح، فوقف من ماله حصة كبيرة لاستغلالها في الأغراض السلمية، والإنفاق من أرباحها على هذه الجوائز لمن يستحقونها في خدمة السلام وتحقيق آمال الإنسانية، بين الممتازين من الأدباء والعلماء وأقطاب السياسة.
ولا يندر - على هذا الاعتبار - أن ينال الجائزة كاتب متوسط يتوافر له هذا الشرط، ويحرمها كاتب أقدر منه وأوسع شهرة في زمانه، ولكنه متشائم أو منصرف إلى الهدم وإثارة الخصومات في مقاصد الفتح والاستعمار. •••
مسألة أخرى تحسب من قيود اللجنة التي تضطرها إلى التفاوت في أحكامها؛ وهي أنها تعطي جوائزها لمن يستحقونها في عشرات السنين، ولا تقصرها على سنة واحدة - فلا يندر في هذه الحالة أيضا أن يظفر بها من هو أقدر منه وأوفى نصيبا من الشهرة العالمية - لأنه لم يبلغ مكانته إلا بعد سنوات.
Неизвестная страница
وسبب غير هذا من دواعي التفاوت في أحكام اللجنة، وهو أنها - في الواقع - لجان عدة، وليست بلجنة واحدة في تكوين أعضائها، فإن الذين يحكمون اليوم في الجوائز غير الذين كانوا يحكمون فيها قبل خمسين سنة ... ومن هنا يأتي الاختلاف لا محالة في الأذواق والأفكار.
ومن أهم أسباب التفاوت في الأحكام أن اللجنة مرتبطة بالحكومة في دولتها؛ لأن جوائزها تصدر من هيئات رسمية، وتوزع في محافل يشهدها رؤساء الدول؛ فمن العسير على اللجنة أن تتجاهل مواطن الحرج السياسي في علاقة الدولة بسائر الدول الكبرى والصغرى، وبخاصة في مسألة السلام، أو مسألة التمييز بين من يخدمه ومن يجني عليه.
وشبيه بذلك موقف اللجنة في توزيع الجوائز بين الأمم، فربما تعمدت أن تتخطى أديبا كبيرا في أمة كثر فيها المستحقون للجائزة، وتعمدت أن توجهها إلى من هو دونه في أمة أخرى، حذرا من مظنة المحاباة.
وبعض هذه الأسباب صالح لتسويغ كثير من المفارقات في تقدير اللجنة، ولكنه لا يصلح لتسويغها جميعا؛ لأن التفاوت يحصل أحيانا بين أديبين متساويين في جميع مزايا الترشيح والترجيح، ويحصل كذلك أن تتغاضى اللجنة عن نزعة التشاؤم في بعض الكتاب ولا تتغاضى عنها في غيره، وأن تنظر إلى السلوك «الشخصي» مرة، ولا تنظر إليه مرة أخرى، وقد يكون الاعتماد على الواقع في بيان هذه المفارقات أولى من الاعتماد على الرأي والنظر ... وفي تجارب اللجنة خلال السنين غناء عن مناقشة الآراء والنظرات، مما سنبينه في الصفحات التالية إن شاء الله.
أكبر من الجائزة
تقدم أن جوائز الأدب العالمية تتعرض للتفاوت في أحكامها لأسباب شتى غير المحاباة وغير الخطأ في التقدير.
تتعرض للتفاوت في الأحكام أحيانا؛ لأنها مقيدة بشروط تلاحظ إلى جانب الإجادة الفنية والمقدرة الأدبية؛ أو لأنها تمتد بأعمالها زمنا طويلا تختلف فيه الأذواق والمقاييس من سنة إلى سنة، ومن حقبة إلى حقبة ... فضلا عن تغير الأعضاء المحكمين جيلا بعد جيل.
ولكن بعض الحالات التي يظهر فيها التفاوت ظهورا بينا لا تكفي لتفسيرها - أو لتفسيرها كلها على الأقل - ولا بد من الرجوع إلى الواقع مرة أخرى لتفسير تلك الحالات التي يعوزها التفسير، بل التفسير الكثير.
وأصلح الأسماء للاختيار في هذا الصدد، تلك الأسماء التي برزت على الأفق بروزا لا يخفى على أحد، وصح فيهم قول القائلين: إنهم أكبر من الجائزة بالقياس إلى الحد الوسط بين مستحقيها، وليس قصارى القول فيهم اليوم أنهم يستحقونها أو لا يستحقونها.
ونكتفي بأربعة منهم في هذا الحديث، نختارهم من أمم متعددة، تجنبا للأمور العارضة التي قد تنحصر في أمة واحدة.
Неизвестная страница
هؤلاء الأعلام الأربعة هم: هنريك إبسن النرويجي، وليون تولستوي الروسي، وأميل زولا الفرنسي، وتوماس هاردي الإنجليزي، وقد كان الثلاثة الأولون في أوج شهرتهم في السنة الأولى من القرن العشرين، وهي السنة التي بدأت فيها أعمال اللجنة، وكان توماس هاردي في الحادية والستين من عمره مكتمل الشهرة في القصة، صاعدا إلى ذروة الاعتراف والتقدير في الشعر، وإن لم يدرك فيه تلك المكانة الأدبية التي انتهى إليها إبسن وتولستوي وزولا.
كان إبسن في مطلع القرن العشرين علم المسرح الأوروبي الجديد غير منازع، وكانت مؤلفاته كلها قد شاعت في أرجاء العالم، وفرغ النقاد من التنويه بها ومن إحلالها محلها بين المأثورات المسرحية، بعد هدوء الحملات الشعواء التي أثيرت حولها عند ظهروها، ولكنه نرويجي من السكندنافيين كأعضاء اللجنة السويدية المحكمة في جوائز نوبل، وكانت اللجنة تستهل عملها في سنتها الأولى، وتريد أن تقرر لجائزتها مكانة الحكم المحترم في الأرجاء العالمية، وليس مما يحقق لها هذه الصفة أن يفهم الناس من الخطوة الأولى أنها هدية من أبناء الشمال إلى أبناء الشمال، وهذا إن سمعوا بها في أرجاء العالم، وهي محصورة في حدودها الضيقة باحتفالاتها ومظاهراتها وزيارات المدعوين إليها، فانصرفت اللجنة عن هذه الجهة القريبة منها، واتجهت بنظرها إلى الأفق الأوروبي الواسع، وإلى أفق باريس خاصة، وهي كما كانوا يسمونها إلى تلك الآونة عاصمة الثقافة الغربية، واختاروا لجائزتهم الأدبية الشاعر الفرنسي «سولي برودوم» زعيم المدرسة المثالية في عصره، وفاقا للشرط الأول من شروط صاحب الجائزة، وابتعدت بذلك عن شبهة العصبية المحلية، التي كانت تلحق بها وتلازمها لو ابتدأت بواحد من أبناء السويد والنرويج.
وانقضت السنة الأولى والثانية، ثم عاد إبسن إلى رأس القائمة، وزال المحظور بتوجيه الجائزة سنة إلى شاعر فرنسي، وسنة بعدها إلى مؤرخ ألماني؛ بل كثرت الأقاويل بعد السنتين الأوليين حول حرمان أبناء الشمال من حقهم في السمعة العالمية، ورأت اللجنة أنها تستطيع أن تنصفهم بغير حرج من تلك الشبهة المحظورة، ولكن قائمة الترشيح قد ظهر فيها اسم آخر مع اسم إبسن من صميم أبناء النرويج، وهو الشاعر القصاص المسرحي بجورنسون بجور نستجيرن.
كلاهما نرويجي، فمن منهما تفضله اللجنة السويدية عن الآخر؟
إبسن ولا شك أكبر وأشهر، ولكن زميله كان من قادة الحركة الوطنية في بلاده، وكانت بلاده يومئذ تنازع دولة السويد في قضية الوحدة، ولا تزال دولة السويد ترجو أن تصالحها، ولا تحب أن تزيدها من أسباب الخلاف ودواعي المطالبة بالانفصال، فاعتقدت اللجنة السويدية أن حرمان بجورنسون من الجائزة سيفسر بين أبناء قومه بأنه عقوبة له على موقفه من القضية الوطنية، وخطر لبعض الأعضاء أن تقسم الجائزة بين الأديبين الكبيرين، فعارضهم أكثر الأعضاء استعظاما لقدر كل منهما أن يجاز بنصف جائزة، وحذرا من أن يقال: إن نصف الجائزة هو كل ما استحقه أبناء الشمال.
ولما استقر الرأي على الموازنة بينهما لاختيار واحد منهما، كانت الكفة الراجحة إلى جانب بجورنسون، لما تقدم من موقفه في القضية الوطنية، وكان الأستاذ «ويرسين» أقوى الأعضاء نفوذا يعارض - من مبدأ الأمر - في اختيار إبسن، فاتخذ من شهرته السابقة سببا لترجيح زميله عليه، إذ كان بجورنسون في أوج قدرته على الإنتاج وخدمة الفن والمجتمع، وكان إبسن يومئذ شعلة تنطفئ كما قال ... وربما كان السبب الصحيح لمعارضة «ويرسين» أنه كان لا يعترف بالفضيلة المثالية لهنريك إبسن، وكان يعيب عليه تشجيع الإباحة والتمرد في تصويره لبعض أشخاصه من الرجال والنساء، كما يعيب عليه قلة عنايته بالأسلوب. •••
أما «تولستوي» فقد كان اسمه هو الاسم الوحيد المنتظر باتفاق الآراء في السنة الأولى من عمل اللجنة، وكان أدباء السويد قبل غيرهم من أدباء القارة أول من احتج على اللجنة بعد إعلان نتيجتها، فكتب اثنان وأربعون من كتاب السويد وشعرائها خطابا مفتوحا إلى المصلح الكبير يحيونه فيه، ويعتذرون من تغافل اللجنة عنه، وتجدد البحث في ترشيحه في السنوات التالية، ولم تتفق الآراء على قرار قبول، ثم عدلت اللجنة عن البحث في هذا الترشيح بعد أن أعلن «تولستوي» رأيه في الجوائز المالية التي يكافأ بها حملة الأقلام، وبعد أن علمت اللجنة أنه سيرفض الجائزة، ويأبى أن يشار إلى بعض عمله باستحقاقها، واستثناء أعماله الأخرى في هذا القرار.
والأسباب المطوية وراء هذه الأسباب المنشورة لا تخفى، بعد المقابلة بين جميع الفروض والاعتبارات.
فالسبب الأول يرجع إلى النفور القديم بين أبناء السويد وولاة الأمر في الدولة الروسية، وهو نفور من طمع القياصرة في بلادهم يقترن به شعور الحذر من إغضابهم وخلق الأزمات من جراء إثارتهم ومواجهتهم بالعداء والمقاومة.
وقد خيف أن يكون تعظيم «تولستوي» تحديا مكشوفا للحكومة القيصرية، ومناصرة صريحة للثورة عليها.
Неизвестная страница
ولما احتدم السخط على اللجنة في بلادها وفي غير بلادها كان لا بد لها من عذر تدفع به عن خطتها حيال هذا المصلح الروسي المحبوب، فكان عذر «ويرسين» الذي تقدم ذكره أن تولستوي يدعو إلى الفوضى، ويفرط في إنكار الحضارة ورفض الثقافة للعودة إلى ما يسميه بالرجعة إلى أحضان الطبيعة، فإذا أجيزت أعماله بغير تمييز ففي ذلك إجازة لهذه الدعوة، وإذا ميزت اللجنة بعض أعماله ونصت على استثناء غيرها فقد يسوءه ذلك، فيهين اللجنة برفض جائزتها ورفض حكمها ... ثم جاء تصريح تولستوي باستنكار الجوائز المالية على إطلاقها في خلال هذه الضجة، فانفض الخلاف بهذا التصريح.
وتبقى بعد ذلك حقيقة لا بد أن تخطر على البال، فقد كان في وسع اللجنة - من بادئ الرأي - أن تبني تقريرها على أعماله التي ترتضيها دون أن تشير إلى غيرها، وهي إذا قالت: إنها تقدر كفايته الفنية وجهوده الإنسانية وصدقه في الغيرة على الإصلاح لم يكن لزاما عليها أن تنص على كلام بذاته يخالف ما ترتضيه، ثم يفهم الناس - بداهة - أنها لا ترتضي كل ما يدعو إليه.
على أن المسألة الشكلية كان لها شأنها في تجاوز تولستوي أول مرة؛ لأنه لم يكن مرشحا للجائزة بالطريقة القانونية، ولم تكن اللجنة في السنوات الأولى تبيح لنفسها أن تتولى الترشيح من عندها مع وجود الترشيحات الخارجية، وإنما أباحت ذلك بعد تجربتها لمسألة «تولستوي» بقليل. •••
وقد كان ترشيح «أميل زولا» مستوفى في شكله القانوني غاية الاستيفاء، وكان بين يدي اللجنة منذ جلساتها الأولى، تدعمه التزكية القوية من عالم له خطر كبير في حساب مؤسسات نوبل الكيموية، وهو العلامة «پيير برتلو» نابغة الكيمياء المشهور.
ولقد كان لاسم «أميل زولا» يومئذ دوي متجاوب الأصداء بين أرجاء العالم، بعد خطابه الجريء الذي أذاعه في الصحف بعنوان «إني أتهم»، وكال فيه التهم يمينا وشمالا للوزراء والقضاة والقادة والساسة والمحققين، ولم تمض سنتان على إذاعة ذلك الخطاب حين تقدم ترشيحه لجائزة الآداب العالمية، تلك الجائزة المشروطة بخدمة المبادئ المثالية، وأولها مبادئ العدل والحرية.
ولكن ترشيح «أميل زولا» رفض منذ البداءة بغير عناء ... لم؟ ما من سبب واحد يمكن أن يلقي عليه اللوم كله؛ بل هناك أسباب مشتبكة مشتركة يعد منها من شاء خطأ النقد واختلاف النظر بين العصور، كما يعد منها عوامل السياسة ودفع الشبهات ومجاملة المقامات المرعية في تقدير اللجنة.
لقد كان معروفا عن ألفريد نوبل - وهو أديب له مذهب في الأدب - أنه شديد النفور من مذهب «الطبيعيين» الذين يقودهم «زولا» في اللغة الفرنسية، وكان يرميهم بالخشونة وجلافة الذوق التي لا تتفق مع الأريحية المثالية، وكان دفاع زولا عن دريفوس قد ألقى به في معمعة الحرب التي عرفت يومئذ باسم «عداوة السامية»، وجعلته خصما صريحا للدولة الفرنسية، ولم تكن محاكم فرنسا قد أعلنت براءة دريفوس في السنة الأولى من القرن العشرين؛ لأنها أعلنت بعد ذلك بخمس سنوات، ولم يكن أنصار المذهب الطبيعي في الشمال قد غلبوا على خصومهم من المثاليين والرومانسيين، فاشتركت هذه العوامل جميعا في إنكار فضل ثابت، ليس من ينكره في هذه الأيام.
أما قصة «توماس هاردي» فهي قصة مبدأ وقصة حظ في وقت واحد، كان اقتراح اسمه يتكرر سنة بعد سنة، ويتكرر رفضه في كل مرة لسبب واحد، وهو روح التشاؤم الذي تغلب على رواياته وأشعاره، ثم عدلت اللجنة عن اعتبار التشاؤم مناقضا للمبادئ المثالية أو المبادئ الإنسانية، ولبثت على هذا الرأي إلى السنة التي أجازت فيها أناتول فرانس، وهو لا يقل في تشاؤمه الساخر عن هاردي، ثم عرض اسم هاردي مع اسم الشاعر الأيرلندي وليام تبلر ييتس في إبان العطف على النهضة السلتية، وقيل في ترجيحه على هاردي: إن الاعتراف بفضل هاردي قد تأخر حتى أصبح الاعتراف به الآن مذكرا بالإهمال، لا بالتقدير. •••
ظروف متشعبة، مشتبكة، تعمل أحيانا على حجب الجائزة العالمية عن أشهر الأدباء العالميين، ويصح أن يقال - كما قيل مرارا - إن ظروف الجوائز العالمية قد تحجبها عمن هم أكبر منها، ولا لوم على أحد بعينه في النهاية!
التفاوت بين الأمم في جوائز «نوبل»
Неизвестная страница
ظهر لنا - فيما سبق - أن أحكام اللجنة عرضة للتفاوت الكبير بين المستحقين وغير المستحقين.
وظهر لنا إلى جانب ذلك أن هذا التفاوت لا يرجع كله إلى سوء القصد أو سوء التقدير.
ولكن له أسبابا أخرى: أهمها أن اللجنة مقيدة بشرط إنساني أخلاقي، لا بد لها من ملاحظته عند المفاضلة بين الأدباء بالمزايا الفنية والأدبية، وذلك الشرط هو خدمة قضية السلام والمثل الأعلى.
ومن تلك الأسباب ارتباط اللجنة بالدولة، فلا تستطيع أن تسقط من تقديرها حساب العلاقات السياسية والدبلوماسية في مسألة ترتبط بقضية السلام.
ويذكر من هذه الأسباب أن أحكام اللجنة موزعة على عشرات السنين، ويجوز لهذا أن يكون المستحق لها في هذه السنة أقل من زميل له فاته أن ينالها قبل بضع سنين.
ومن هنا تتعرض الموازنة بين الأدباء لكثير من التفاوت في مزايا الفن والأدب، ويمكن أن تنعقد المقارنة بين عشرة نالوا الجائزة وعشرة لم ينالوها، فإذا بالمحرومين أحق بها من الفائزين. •••
لكن التفاوت في الأحكام غير مقصور على أفراد الأدباء؛ بل يتفق في كثير من الأحيان أن تتفاوت الأمم في حظها من عناية اللجنة لأسباب غير فنية أدبية، ولا إنسانية أخلاقية، كما اتفق ذلك كثيرا في الجوائز التي كانت من نصيب أمم الشمال، وهي الأمم التي اشتهرت باسم أمم السكندناف.
وأمم السكندناف - كما هو معلوم - هي بهذا الترتيب: السويد، والنرويج، والدنمرك، وفنلاندة، وجزيرة أيسلانده!
وقد أصابتها الجوائز بهذا الترتيب أيضا، فمنحت السويد أربع جوائز، ومنحت كل من النرويج والدنمرك ثلاث جوائز، ومنحت كل من فنلاندة وجزيرة أيسلانده جائزة واحدة.
وكأنما لوحظ أن الدنمرك تخلفت في المضمار بعد السنوات الأولى، فمنحت جائزتها لأديبين في سنة واحدة، وهي سنة 1917 إحدى سنوات الحرب العالمية.
Неизвестная страница
وقد كانت هذه الرعاية لأمم الشمال مقصودة من السنة الأولى، فكان اسم «إبسن» في مقدمة الأسماء التي عرضت لابتداء الاحتفال بالجائزة عند نشأتها، ولكن اللجنة كانت حريصة على تحقيق الصفة العالمية لجوائزها، وكان الابتداء بأنه من أمم الشمال خليقا أن يفقدها انتباه العالم إليها في أول تجربة من تجاربها، فلما مضت السنة الأولى والثانية، لم تشأ السويد أن تبدأ بنفسها، وكان من مساعيها في ذلك الحين أن تحسم الخلاف بينها وبين جارتها النرويج في قضية الوحدة الوطنية، فاتجهت الجائزة اتجاها «تلقائيا» - كما يقال - إلى أديب النرويج الذي اشتهر اسمه في تلك القضية، وهو الشاعر الناثر بجور نستجيرن بجورنسون.
والحرص على شمول الأمم السكندنافية بالجائزة ظاهر من مراجعة أسماء المؤلفين وأسماء الكتب أو الموضوعات، بغير حاجة إلى التوسع في التفصيل.
ففيما عدا أديبا أو أديبين، لم يعرف أحد من أولئك خارج بلاده في نطاق عالمي واسع.
ولم يتحقق لواحد منهم موقف ممتاز في شرط الجائزة الأول، وهو خدمة قضية السلام والمثل الأعلى، ولا تحققت له المزايا الفنية على ذلك المثال الرائع، الذي يسوغ الإغضاء عن ذلك الشرط بعض الإغضاء أو كل الإغضاء.
فالأدباء الذين ميزتهم اللجنة من أمم الشمال هم: بجورنسون من النرويج، وسلما لاجرلوف وهيد نستام من السويد، وكنوت هامسون وسيجريد أندسيث من النرويج، وأريك كارلفلد من السويد، وسيلانيا من فنلاندة، وجنسين وجيلروب
Giellerup
وبنتو بيدان من الدنمرك، ولاكسنس من أيسلانده، ولاجر كفيست من السويد.
وكلهم على فضلهم وكفايتهم لم يرتفعوا إلى منزلة فوق منزلة الطبقة الوسطى بمقياس الشهرة العالمية، ولم ترفعهم إلى ما فوق تلك الطبقة شهرتهم العالمية التي أحاطت بهم بعد منح الجائزة، ويغلب على الظن أنهم لو نشئوا في غير بلاد السكنداف، لما تتبعتهم اللجنة حيث كانوا بهذه العناية وهذا الاستقصاء.
على أنها لم تنس رعاية السمعة العالمية مع هذه الرغبة الدائمة في مجاملة الأمم السكندنافية، ورعاية أواصر القرابة والجوار بين أمة السويد وسائر تلك الأمم التي شملتها في أوائل القرن العشرين جامعة «النورديك» أو الشمالية، بعد أن شاعت على الألسنة في تقسيم العلاقات العنصرية.
فقد اتخذت اللجنة من الظروف العالمية مسوغا لاختصاص بلاد الشمال بثلاث جوائز في ثلاث سنوات متواليات، فبدأت في إبان الحرب العالمية الأولى بتوجيه الجائزة إلى أديب من الأمة الفرنسية التي كانت في مقدمة الأمم المشتركة في القتال: وهو رومان رولان المعروف بجرأته النبيلة في الدعوة إلى السلام، ثم اتخذت من الحرب الكبرى مسوغا لاجتناب الأمم المشتركة فيها، ومنحت الجائزة سنة 1916 أديبا من السويد، ومنحتها في السنة التالية أديبين من الدنمرك، ووقفتها سنة، ثم عادت إلى أمم الشمال فوجهتها سنة 1920 إلى أديب من النرويج.
Неизвестная страница
أما أسباب منح الجائزة في جميع هذه السنين، فالهدف المقصود فيها أظهر وأدل على الرغبة في الاختصاص؛ لأنها - جميعا - من الأسباب التي يصل إليها طالبها بعد البحث عنها، وليست من الأسباب التي يفرضها على اللجنة وفاؤها بجميع الشروط واتفاق الآراء عليها بغير بحث مقصود، فاعتبرت الدعوة إلى مذهب من مذاهب علم الجمال مرشحا للجائزة التي منحتها الأديب السويدي هيد نستام عضو المجمع المشرف على هيئة التحكيم، وقالت في تحيتها له: «إنها تقدر عظمة شأنه في الدعوة إلى عهد جديد في فنوننا الجميلة.» وهي مزية خاصة باللغة السويدية.
وقالت عن الأديب الأيسلاندي: «إنها تمنحه الجائزة لكتابته الملحمية الحية التي جددت فن القصص الأيسلاندي القديم.»
وقد كان تعدد أسباب المنح خليقا أن يفتح الأبواب أمام اللجنة للاختيار من بلدان كثيرة في كل آونة، ولكنها عددت الأسباب وحصرت الجائزة في اثنين من بلد واحد حين اختصت بها الدنمرك سنة 1917.
فقالت عن جيلروب
Giellerup «إنها تقدر في هذا الشاعر المفكر وفرة محصوله في فن القصة مع التنوع والنزعة المثالية.» وقالت عن زميله بوتبدان
الذي أسهب في بحث مشكلات الروح الإنسانية، وأنها قدرته لما امتاز به من الأوصاف القيمة للحياة الحاضرة في بلاده.
وألطف ما يلاحظ من الرغبة في المجاملة والاسترضاء بين الأختين الكبيرتين في الزمرة السكندنافية، أن اللجنة لم تشأ أن تختار سيدة من السويد دون أن يكون للنرويج نصيب مثل نصيبها في رعاية الجنس اللطيف، فلحقت سيجريد أندست النرويجية بسلما لاجرلوف السويدية، بعد فترة عشر سنوات. •••
فهناك - إذن - ميزانان في يد لجنة نوبل، تزن بهما؛ ميزان لأمم الشمال، وميزان آخر لسائر الأمم.
وهناك تفاوت لا شك فيه، ولكنه في عرف المنصفين تفاوت شبيه بالعدل إن لم يكن هو العدل بتمامه ... لما فيه من رعاية الجوار وحسن المعونة الذي لا ينتظر من غير هذه الناحية، فإن لم يكن عدلا كل العدل فهو إحسان من أجمل الإحسان، وبخاصة لما فيه من المحافظة على قيمة الجائزة عند النظر إلى معايير الفن الصحيح، فإن الجوائز السكندنافية لم توجه إلى أحد خلو من مزايا الإتقان. •••
إلى الناحية الأخرى من الجوار أمة مقصودة بالاجتناب، تقابل هذه الأمم المقصودة بالرعاية.
Неизвестная страница
فمن قبل أيام «نوبل» كانت السويد تنظر إلى روسيا القياصرة نظرة الحذر، وبدأت لجنة نوبل عملها في أوائل هذا القرن بين موقفين: موقفها إزاء الأدب القيصري وهي تخشاه، وموقفها أمام أعداء القياصرة وهي تخشى أن تغضب القياصرة بتشجيعهم والعطف عليهم، ثم بقي الجوار على قلق بين السويد وجارتها الكبرى بعد الثورة التي أزالت عرش آل رومانوف.
فمنذ أنشئت الجائزة لم ينلها أديب من الروس، وقد كان إيفان بونين الذي نالها سنة ثلاث وثلاثين روسيا من البيض، ولكنه كان ينتمي إلى الجنسية الفرنسية حين وجهت إليه.
ورضيت اللجنة عن باسترناك سنة ثماني وخمسين (1958) لمساهمته في مجال الشعر العصري، ومجال التراث القصصي في الأدب الروسي.
ولكن الشاعر الذي أرضى نقاد السويد لم يرض الكثرة من نقاد بلاده، كما يذكر القراء .
على أن هذا الموقف الخاص من الجارة الكبيرة قد تبعته مواقف مثله من أمم كبيرة أخرى، فكان له شأنه في استقلال بعض الدول بجوائزها من الطبقة الأولى، كما حدث في روسيا السوفيتية، وألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية، وغيرها من بلاد العالمين القديم والجديد.
شروط جديدة لجائزة نوبل الأدبية
صدرت الطبعة الجديدة من الكتاب الجامع الذي تطبعه مؤسسة نوبل، وتسجل فيه تاريخ المؤسسة، وتاريخ جوائزها، ومعها بعض التفاصيل عن أعمالها وتقاريرها.
وقد وصلت هذه الطبعة بتاريخ الجوائز إلى سنة إحدى وستين (1961) واشتملت على تعقيبات النقاد التي انتهوا إليها بعد المقابلة بين ظروف الجوائز ومستحقيها، منذ نشأة الجائزة في مطلع القرن العشرين.
وخلاصة هذه التعقيبات - من الوجهة العملية - أن الجائزة الأدبية يجب أن تقتصر على التشجيع المستحق في موضعه، وأن تمنح للذين يقدمون الأمانة الفكرية على المكاسب المادية، ويترفعون عن مجاراة الأهواء المبتذلة طلبا لرواج السوق، ووفرة الربح من أقرب طريق.
فالقيمة المادية التي تقدر لجوائز نوبل - بحسب مواردها السنوية - لا تزال أكبر قيمة بين جوائز العالم، وهي - كما هو معلوم - تتغير من سنة إلى سنة تبعا لموارد المؤسسة، واختلاف قيمة العملة، ولكنها تتراوح على الدوام بين ثلاثين ألف دولار وأربعين ألفا أو تزيد قليلا.
Неизвестная страница
ويلاحظ تقرير المؤسسة أن هذا المبلغ - على ارتفاعه بالنسبة إلى الجوائز العالمية - قد يظفر به الكاتب العصري الرائج ثمنا للعرض على اللوحة البيضاء أو أجهزة التلفزيون، وقد يربح أضعافه من تأليف القصة، ثم من تحويلها إلى التأليف المسرحي، ثم من إخراجها على اللوحة البيضاء وأجهزة التلفزيون، وغير ذلك من وسائل الإذاعة، وتداول النشر بين المعارض العامة، وبين الأندية الخاصة والبيوت.
فإذا نظر الكاتب إلى وفرة العائدة فالقيمة التي ينالها من مؤسسة نوبل ليست بالمطمع الذي يغريه، أو يزين له تفضيل الجد والأمانة في خدمة الفكر والفن على مجاراة الأهواء، ومسايرة السوق، واغتنام تلك الأرباح.
وإذا تذكرنا أن جائزة نوبل قلما تصل إلى الأديب في منتصف الطريق، وأن جميع الأدباء قد تلقوها وهم على أوج الشهرة في بلادهم أو في بلاد العالم أجمع - فالقيمة المادية بالنسبة إلى هؤلاء لا تحسب من المعونة الضرورية عند مسيس الحاجة إليها، ولا تحسب من ضروب الإغراء التي تبعث القريحة الأدبية إلى تغيير الوجهة، أو القناعة بشرف السمعة، وحسن الجزاء، ولعل المؤسسة لم تنس - وهي تراجع هذه الظروف - قصة برناردشو، ولا عبارته التي قالها للمؤسسة حين رد إليها جائزتها قبل نيف وثلاثين سنة ...
فإنه اقترح على المؤسسة أن تنفقها في ترويج الأدب المشترك بين اللغتين السويدية والإنجليزية ... أما هو - كما قال - فقد وصل إلى الشاطئ، فلا حاجة به إلى طوق النجاة.
وما قاله برناردشو يصدق على الأكثرين ممن فازوا بالجائزة بعد أن جاوزوا منتصف الطريق، ولا سيما أبناء الأمم الكبيرة.
فالأديب الذي يبلغ غاية الشهرة في أمة صغيرة، قد تأتيه هذه المعونة المادية، كما تحقق له معنى التشريف الأدبي في وقت واحد؛ لأنها تشيع ذكره في أنحاء العالم، بعد انحصاره بين حدود بلاده.
أما الأديب الذي يكتب باللغة الإنجليزية، أو الفرنسية، أو الألمانية، فهو يكتب للملايين من القراء ويضمن الشهرة العالمية، مع ضمان الشهرة القومية، ويستغني عن الجائزة بما فيها من العون، وما فيها من التشريف أو توسيع نطاق الشهرة على السواء.
بل ربما صدق على أدباء الأمم الصغيرة في العصر الحاضر كل ما يصدق على أدباء الأمم الكبيرة؛ لأن عالم التمثيل على المسرح، وعلى اللوحة البيضاء يزدحم بأسماء الكتاب الذين نشئوا في رومانيا، أو سويسرة، أو إسبانيا، أو أقطار أمريكا الجنوبية ... ومن هؤلاء الكتاب من يطلبهم المخرجون والناشرون، ويبحثون عنهم وهم في ديارهم، طلبا للغرائب، والتماسا للبدع الطارئة على الأسماع والآذان، وإشباعا لرغبة الكشف والاستطلاع التي يتنافس فيها المخرجون والناشرون.
فلا حاجة بالأديب في البلد الكبير أو البلد الصغير إلى المعونة المادية من جوائز نوبل، ولا معنى للقيمة الأدبية - قيمة التشريف والتمجيد - إذا استحقها الأديب بمجرد الرواج والشيوع، وتساوت الكتابة التي تتطلبها بضاعة السوق، وتجد الباحثين عنها والمكافئين عليها بين المخرجين والناشرين، وهم يعملون لحساب شركات تملك الملايين، وتربح مما تنفقه على المسرحيات والصور المتحركة أضعاف ما يربحه المؤلفون، ويربحه معهم المخرجون والناشرون.
ومحصول التفكير في ذلك كله أن مؤسسة نوبل ترى إعادة النظر في أسباب منح الجائزة؛ تحقيقا لفائدتها الأولى: وهي تقدير الأمانة الفكرية في خدمة الفن والثقافة، وتجنيد القرائح في ساحة الجهاد الشريف للسعي إلى المثل العليا.
Неизвестная страница
ولم يذكر نقاد المؤسسة موضوع الأدب الذي يقصدونه بإعادة النظر في قيمة الجائزة، ولكنه - كما هو واضح - كل أدب يرتفع إلى الذروة في البلاغة وأمانة التفكير، ولكنه يقصر عن الكسب في معترك الزحام على إرضاء الأهواء والشهوات، ويعجز عن ادخار الثروة لصاحبه بحساب شباك التذاكر، ونسخ البيع وأبواق الدعاية.
وتكاد الموضوعات من هذا القبيل أن تسمي نفسها لمن يطلب أسماءها ... فإذا استثنينا القصة التي تثير الغريزة، والمسرحية التي تثير اللغط، وتجتذب النظارة بأعاجيب العرض والتشكيل، واستثنينا معها ضروب التهويل على السذج والجهلاء بالمصطلحات والأسرار، فالذي يبقى بعد ذلك لا يعدو موضوعا واحدا: وهو الأدب البليغ من المنظوم والمنثور، يستند إلى شيء في النفس الإنسانية غير شهوة الغريزة: يستند إلى الذوق السليم، والضمير المستقيم.
ومما لا ريب فيه أن الجوائز العالمية ستفقد وظيفتها إذا كان مقياسها هو مقياس الشهرة لا أكثر ولا أقل، وكان مقياس الشهرة هو مقياس الرواج والكسب في سوق الساعة.
وأضيع ما تكون الجائزة العالمية إذا هي نافست أرباب هذه السوق في تجارتهم التي يحسنونها، وينقطعون لتجاربها ومنوراتها، فإن الناظر إلى المثل الأعلى، وإلى القيم الإنسانية الباقية لا يستطيع أن يحقق شروط الكمال، وشروط الربح، والرواج في صفقة واحدة، ومهما يفعل فإن المتجرين بالأدب سيعرفون كيف يجتذبون إليهم طلاب الربح ورواد الشهرة، ولا يعنيهم بعد ذلك أمر الذين يفضلون الإتقان على النجاح، ويقنعون بخمول الذكر إذا كلفتهم الشهرة العاجلة أن يخونوا أمانة الفكر التي يؤمنون بها.
وربما كان في وسع الناشرين والمخرجين أن يسخروا وسائلهم الخاصة لترويج البضاعة الكاسدة في سوق الأدب الرخيص؛ لأنهم يخاطبون جمهور هذا الأدب بما يقنعه ويرضيه، ولا يتوقف إقناعهم إياه على صحة التمييز، وتمام المعرفة؛ لأن «الموضوعات » في بضاعة الأدب كالموضوعات في الملابس والأزياء، تتوقف على معرفة تامة وتمييز صحيح.
ومنذ سنتين دخلت الأساليب الاقتصادية إلى سوق الجوائز الكبرى في أوسع مجال، ونظمت عملها على قواعد التجارة العالمية التي تقتضيها أحوال الزمن ومطالبه العملية، وليس من اللازم أن تتجه هذه الجوائز إلى غير المستحقين للتقدير والتشجيع، أو غير المؤمنين بالمثل العليا، وأمانة الرسالة الإنسانية، ولكن اللازم فيها أن تنظر إلى الرواج قبل كل شيء، ثم يأتي بعد ذلك دور الإتقان والكمال.
تألفت هيئة واحدة تضم إليها مندوبين من دور النشر في كل من إسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والسويد، والنرويج، والدنمرك، وهولنده، وتتصل بدارين كبيرتين من دور النشر في إنجلترا والولايات المتحدة، وقد ينضم إليها في المستقبل ناشرون من أمم أخرى.
هذه الهيئة تضمن - مقدما - أن يطبع الكتاب الذي تختاره في بلاد تابعة لأربع عشرة دولة، وتضمن ترجمته إلى عشر لغات أو أكثر من ذلك - إذا اقتضى الأمر - في وقت واحد، وتضمن وسائل الإعلان والتوزيع في الصحف التي تقرأ بتلك اللغات، فلا تعطي جائزتها إلا وهي على ثقة من تعويضها السريع أضعافا مضاعفة، وقد تقترح هي الموضوع على الكاتب كلما أنست من السوق العالمية رغبة فيه واستعدادا لقبوله.
وابتدأت هذه الهيئة بتوزيع جوائزها - واسمها جوائز فورمنتر
Formentor - سنة إحدى وستين (1961) وهي السنة التي فكرت فيها مؤسسة نوبل في إعادة النظر إلى شروط الاختيار للمحافظة على قيمة الجائزة المثالية، ولعل ظهور هذه الأساليب الاقتصادية في سوق النشر كان له شأنه في ذلك التفكير.
Неизвестная страница