وعلى المجترح للذنب الموجب على نفسه الحد، والمستحق له، إمضاء الحكم في بدنه وماله، والإمكان من نفسه، وأن لا يعاز بقوة، ولا يروغ بحيلة، ولا يسخط حكم التنزيل فيما نزل به، وفيما هو بسبيله من مال أو غيره. وإنما يجب ذلك إذا كان على الفريقين من القيم، والجاني يمكنه ما كلفه الله من ذلك . فإن أبى القيم إقامة الحق والحد على الجاني بعد استيجابه، والإمكان من نفسه لإقامة الحد عليه، فقد عصى الله تعالى ولم يؤت في ذلك الأمر نفسه، لأن الله تعالى قد بينه له، وأوجبه عليه، وقرره حين أوضح له الحجة وقرب الدلالة، وطوقه المعرفة، ومكنه من الفعل.
وقد بسطنا العذر لذوي العجز في صدر الكلام.
وإن أبى الجاني المستحق للحكم والحد، الإمكان من نفسه وماله، وما هو بسبيله، فقد عصى الله في ذلك، كما عصاه في ركوبه ما أوجب عليه الحد، ولم يؤت من ربه لما ذكرنا من إيضاح الحجة وإثبات القدرة.
فصل منه
وقد علمنا أن من شأن الناس الهرب إذا خافوا نزول المكروه، والامتناع من إمضاء الحدود بعد وجوبها عليهم، ما وجدوا السبيل إلى ذلك. وهذا سبب إسقاط الأحكام والتفاسد.
وقد أمرنا أن نترك أسباب الفساد ما استطعنا، وبالنظر للرعية ما أمكننا، فوجب علينا عند الذي قلنا، أنا لو لم نقم إماما واحدا كان الناس على ما وصفنا من التسرع إلى الشيء إذا طمعوا، والهرب إذا خافوا. وهذا أمر قد جرت به عامة المعرفة، وفتحت عندنا فيه التجربة.
قلنا عند ذلك إن الإمامة لا تجب على الناس من طريق الظنون وإشفاق النفوس.
Страница 287