قيل له: إنك جهلت المعنى؛ فأتى قولك على غير الإستواء. إن الله تبارك وتعالى قد عدل بين خلقه، وساوى بين عباده، فأعطى(1) كلهم من حجج العقل ما بأقل قليله ينالون أداء فرضهم، وتمييز أمورهم، والاستدلال على خالقهم. فساوى بينهم فيما يستدركون به معرفةأمره، ويستدلون به على التمييز بين أموره، ويقفون به على معرفته؛ فلم يوجب على أحد أمرا ولا نهيا، ولم يجعله عنده على شيء معاقبا، إلا وقد أعطاه من حجة العقل ما ينال به ما ينال غيره ممن زاده الله بسطة، وآتاه كرامة. فلما أن ساوى بين خلقه في مستدركات حججه، وبالغات معرفة أداء فرضه؛ زاد من شاء من فضله، وأعطاه ما شاء من كرامته؛ من بعد أن قطع عنه حجة غيره؛ بما ركب في صدره، من مؤكدات حججه، التي بأقل قليلهن وأصغر صغيرهن يستدرك أكثر مما افترض عليه، وينال فوق ما ألزم، وجعل فيه فرضا لازما مؤكدا، وأمرا واجبا مشددا، فزالت عن الله لهم الحجة، وسقطت عنه سبحانه معاني المظلمة، وثبتت له بذلك معاني الحكمة، وصحت له النصفة، وبان عدله في خلقه؛ بما ساوى بينهم فيه من حجته.
فإن قال قائل: بين لي قولك، واشرح لي لفظك، بحجة يقف عليها عقلي، وتكون ظاهرة في صدري.
قيل له: مثل زيادة الله لمن شاء من فضله، وتفضيله لمن شاء من عباده؛ على من قد أعطاه أكثر من حاجته، وثبت في صدره من وافر حجته؛ ما بأقل قليله يؤدي إليه ما ألزمه من فرضه؛ مثل رجل له غلامان؛ فدفع إلى أحدهما شمعة كبيرة متوقدة، ودفع إلى الآخر شمعتين؛ ثم قال لهما: يحرق كل واحد منكما بيتا من حشيش بما معه من النار.
فإن قال صاحب الشمعة: اعطيتني شمعة واحدة، وأعطيت صاحبي شمعتين، ثم ساويت بيننا في إحراق الحشيش؛ فقد ظلمتني في ذلك وجرت علي؛ إذ كلفتني مثل ما كلفت صاحبي، وقد زدته شمعة على شمعتي.
Страница 706