فلما أن فعل ما ارتضاه الله منه؛ من إخلاص النية، وجودة البصيرة، استحق من الله الزيادة.
فكانت زيادات الله وعطاؤه لنبيه على صنفين: فصنف(1) ابتدأه بما ابتدأ؛ لما قد علم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الإستواء، وأحاط به علمه قبل خلقه للدنيا؛ من إيثار محمد صلى الله عليه وآله له على غيره، وإخلاصه له في جميع أموره، وأنه يكون على الإستواء، وعلى الغاية(2) في الانتهاء اختيارا منه لذلك، وأثرة منه لربه، من غير جبر من الله له، ولا إدخال له قسرا في طاعته، بل يكون ذلك منه اختيارا، وأثرة لله لا اضطرارا.
فلما علم الله منه ذلك، وأنه يكون في جميع الأمور كذلك؛ ابتدأه بالكرامة على ما قد علم من غاية(3) فعله، وصيرورة أمره، فابتدأه بما هو أهل، من غير عمل كان منه لربه، ولا جبر من ربه على شيء تقدم من فعله، بل على ما قد علم من صيرورة أمره، وما علمه مما سيكون من اجتهاده في طاعة ربه، وتقديمه لإرادته على إرادة نفسه.
والصنف الثاني: فزيادات من الله لنبيه على جزاء فعله، وما ظهر من نصيحته، وبان من اجتهاده في التثبيت لباب اهتدائه، فزاده الله من بعد فعله لذلك تثبيتا وهدى، وزيادة التقوى، كما قال تعالى: {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}[محمد: 17]. فكان اهتداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الإهتداء، وتقواه أكبر التقوى؛ فكانت زيادة الله له أعظم من كل زيادة، وهدايته له أكبر من كل هداية. فكانت هذه زيادة من الله على طريق المجازاة للنبي علىفعله ، وكانت الزيادة الأولة منه لما قد علم من صيرورة أمره.
فاجتمعت لرسول الله صلى الله عليه ثلاث خصال:
Страница 703