وذلك أن إبليس اللعين بني على الفطنة والذكاء، والسرعة والمعرفة بمعاني الأشياء، التي ربما عرفها الآدميون، واستدركها منهم الفطنون، فيعرف إبليس اللعين في حركات الإنسان ووجهه؛ دلائل يستدل بها على ما أضمر في قلبه، من المعاصي لربه، فإذا رأى تلك الدلائل والعلامات في وجهه؛ استدل بهن على بعض ضميره، فإذا رأى في وجهه علامات إضمار المعصية، وتبين له أنه قد هم بغير الطاعة، واستبان ذلك من شواهد(1) حركات الآدمي، كما استدرك(2) كثيرا من ذلك الآدميون بعضهم من بعض، بما يرون(3) من شواهد ذلك ودلالاته وعلاماته، حتى ربما فطن الإنسان لصاحبه ما يريد منه، وما يريد في كثير من أمره، وكذلك يستبين منه الغضب والرضى، والسرور والغم، يتبين كل واحد من هذه الأشياء في وجه صاحبه، حتى يعرفه أهل الفطنة والفهم بما يظهر من شواهده في وجه مضمره، وكل يتبين الفزع والرعب في وجه المرعوب والفزع لمن كان ذا فطنة.
فكذلك وعلى ذلك، وبالشواهد في وجوه أولئك، يعرف إبليس اللعين ما أضمره صاحب المعصية والخطيئة، فإذا أيقن إبليس بذلك من الآدمي دانى قلبه وقاربه ولاصقه. وإبليس فهمه وإرادته ومعناه: المعصية واللعنة، فإذا قارب هذا الشكل من إبليس اللعين زيادة شكل المعصية التي هي في قلب الآدمي؛ قويت نية الآدمي بالمعصية بمقاربة ما في قلبه من المعصية لشكله وهو إبليس؛ فيقوى الشكل بمقاربة شكله، والجنس بمقارنة جنسه، كما يقوى كل شيء بمداناة مثله، ومقاربة شكله.
فهذا معنى وسوسة إبليس، هو بالمقاربة والمداناة، لا بالمكالمة والمناجاة.
Страница 723