فهذا معنى ما ماعنه سألت من وصول حكم الله ووحيه، إلى المؤدي عنه من ملائكته، ما أراد وشاء من فرضه.
فاعمل فكرك في تدبيره، يوصلك ذلك إن شاء الله إلى فهمه، ويوردك إلى ما أردت من علمه.
[كيف يحاسب الله عباده وما معنى الحساب]
وسألت: كيف يحاسب الله العباد يوم القيامة؟ وما معنى الحساب في يوم المعاد؟
والقول في ذلك: أن الله ذا الجلال والإحسان، قد جعل مع كل إنسان؛ ملكين في كل حال، عن اليمين وعن الشمال، يحفظان عليه فعله، ويحصيان عمله، ويكونان شاهدين عليه بكسبه، محصيين مايكون من صنعه، فإذا كان يوم القيامة، ويوم الحسرة(1) والندامة؛ أتى به ملكاه إلى من أمره الله من الملائكة بمحاسبة العباد ومحاسبتهم فتوقيفهم على أفعالهم، وتعريفهم ما كان من أعمالهم ثم شهد(2) حافظاه عليه، ووقفاه على ما كان من أمره، وبكتاه بمعاصيه لربه، ووقفاه على جرأته على خالقه، فلم يذرا مما تقدم منه شيئا؛ إلا أو قفاه عليه حرفا حرفا.
فهذا معنى محاسبة الرب لعباده.
قال قلت: فما معنى ذلك؛ إذ كان العقاب لا زما على المعاقبين، والثواب واجبا للمثابين؟!
قيل لك: لأن في تعريف المعاقب ما تقدم من عمله(3) وتوقيفه على ما أتى به من عمله؛ حسرة عليه في يوم الدين أيما حسرة، وفي تحسره جزء عظيم من عذابه. فكان توقيفه سببا لتحسره وغمه، وكان تحسره وغمه زيادة في عذابه وخزيه.
وكذلك معنى توقيف الله للصالحين على فعلهم، وإعلام حفظتهم لهم بما حفظوا عليهم من عملهم. فكان ذلك سرورا للمؤمنين، وإيقانا من المتقين بنجاح فعلهم، وحسن موقعه عند ربهم، وبشارة سابقة إليهم من الرحمن، بما أعد لهم من الجزاء والخير والإحسان، وكان ذلك زيادة من الله في ثوابهم، وبشارة سيقت إليهم في يوم معادهم.
فهذا معنى ما عنه سألت من الحساب ومعناه، وما أراد الله بذلك وشاءه.
Страница 710