ولم يقتصر المنذري على السماع من شيوخ الحديث، بل كتب الكثير عن
العلماء، وعلق عنهم الفوائد، سواء كانوا محدثين أم أدباء أم شعراء أم صوفية
أم غيرهم من أهل عصره، وقد ذكر من ذلك جملة صالحة في كتابه "التكملة"،
وأغلبهم كتب عنهم بمصر والقاهرة والمنصورة، أو البلدان القريبة من هذه المدن
الكبرى، أو استجاز منهم.
ولم يقتصر المنذري في تحصيله على السماع واللقاء، بل كاتب العلماء
واستجاز منهم من البلدان المختلفة، فكان له شيوخ إجازة كثيرون، كما له شيوخ
سماع كثيرون، وكان هناك ناس يقومون بحمل الإجازات من بلد إلى اخر، قال في
"التكملة" ص ٣٢٢، في ترجمة أبي الحسن علي بن النفيس البغدادي الإجازاتي،
المعروف بابن النفيس، المتوفى بالقاهرة سنة ٦٤٠:
"وسعى في حمل الإجازات للناس، من بغداد إلى الإسكندرية سنين. وقال
جمال الدين أبوحامد بن الصابوني فيه أيضا: كان يسافر من بغداد إلى الإسكندرية،
مترددا في أخذ خطوط الشيوخ للناس في الإجازات المسيرة على يده، ليس له
"حاجة ولا بضاعة إلا ذلك، وما له قصد سوى الإفادة، وبقي على هذا الأمر سنين،
فجزاه الله خيرا".
وكان الزملاء في الطلب والرفاق في الرحلة، يتفقون على أن ياخذ كل واحد
منهم الإجازات من شيوخ بلده، ويبعث بها إلى صاحبه وزميله في البلد الاخر،
استكثارا من الشيوخ ومن ربط الصلة بينهم وتوسيع المعرفة بهم.
وقد كان المستجيز يستجيز الشيخ عدة مرات، ليكون له الحق في رواية أكبر
عدد ممكن من روايات الشيخ المجيز، وهكذا كان يفعل المنذري ﵀
تعالى.
ولم يكتب للمنذري الرحلة إلى بغداد كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فاستجاز
من كثير من شيوخها ومحدثيها الكبار والمغمورين، ابتداء من سنة ٥٩٣، وما زال
يستجيز إلى اخر حياته، حتى بلغ عدد شيوخه البغداديين بالإجازة أزيد من ٣٣٥
1 / 24