ويرفع الجنود البنادق هاتفين في نفس واحد: يا يعيش! يا يعيش! إلى الأبد!
ترن كلمة «الأبد» في أذنيه. ينتفض جسده بالنشوة. يهز رأسه علامة اللذة، في أعماقه منذ الطفولة حنين للخلود. يتطلع بعينيه إلى هرم خوفو. يرى نفسه جالسا فوق القمة. من حوله الكواكب والنجوم، وهو يتألق في الوسط، فوق صدره النياشين. يرتدي التاج فوق رأسه. قرنان طويلان يلتويان إلى الأمام. يحمل بينهما قرص الشمس، يصعد فوق أعناق التلاميذ ويصيح: أنا! أنا الأكبر! الأكبر! كر! كر!
يكركر كالديك.
ويدوي صوت الجنود: يا يعيش! يا يعيش!
كالمطر ينهمر الرصاص من السماء، وقنابل تسقط من بطون النسور السوداء، ورياح الخماسين تصفر. ذرات تراب ورمل. رائحة بارود ونفط. دخان يملأ الكون.
والأجساد تتناثر في الهواء. أجساد بشرية من بني آدم وبنات حواء. يتعرف على البشر من أصابع اليد. الإبهام والسبابة. يتعرف على المرأة من النهدين.
يرمقها بطرف عينه وهو يمر بين الصفوف. صدره يعلو ويهبط تحت الدرع الحديدية. النهدان يهتزان تحت بدلة الرقص. يغمز لها على الطريقة الحديثة. يغمض عينا ويفتح العين الأخرى. لا أحد من الجنود يلحظه، ولا الرصاص يخترق صدره. يعود إلى بيته سالما، وفي الليل يصحو؛ يتسلل من الفراش، يرتدي الوجه التنكري، تغمض زوجته عينا وتفتح العين الأخرى.
في الصباح يرى سرواله الأبيض محروقا في الطشت، وفي صدره تحت الدرع يرى الشق، نافذا من الصدر إلى الظهر، بلا قطرة واحدة من الدم، والملاءة نظيفة بيضاء بلون الموت.
يرتدي الدرع حول صدره. يخفي الشق في اللحم تحت طبقة من الحديد. حذاؤه له رقبة طويلة من جلد النمر، وكعب مربع سميك، تعلوه حدوة حصان مدقوقة بالمسامير. يدق الأسفلت بحذائه. يدوس على أرض الوطن. يدوس على أوراق الشجر. يخبط الكعب الأيسر في الكعب الأيمن. يرفع قدمه عاليا في الهواء كالعصا الخشبية. صوته يدوي في أذنيه كصفير الريح. «أنا أنا! صاحب الأمر! إلى الأبد! الأبد!»
يدب الصمت من حوله. صمت غريب ثقيل. الجنود واقفون. لا أحد يهتف. لا صوت يقول يا يعيش! واقفون الصف وراء الصف. ظهورهم ناحيته، وجوههم ناحية الحائط. لا أحد يستدير وينظر إليه.
Неизвестная страница