67

إنما الرجل ابن زمانه في معناه وصناعته، وله من الإمامة بين شعراء العشق في ذلك الزمان مكان لم ينازع فيه؛ لأن عيوبه أقل من عيوبهم ومزاياه أظهر من مزاياهم، وشعره في جملته يجمع خير ما قالوه.

وهنا يحسن بنا أن نقيد «خير ما قالوه» بما قالوه في النسيب دون غيره، فالحق أنه لم يأت بطائل في الهجاء ولو بالقياس إلى معاصريه، أو لعل الذي نظم في هذا الباب ورجح به على الشعراء في رأي نقاد عصره قد ذهب به الزمن، ولم يصل إلينا مع سائر شعره، وهو ظن ضعيف.

مزاجان

قدمنا في الفصل السابق أن شعر جميل إذا قوبل بشعر عمر يبدو أنه أفحل وأجزل، وأنه أبلغ في الصناعة وأجمل، ثم قلنا: إن هذا فيما يبدو لنا «التباس بين فحولة المزاج وفحولة الشعر لا يثبت على التمحيص».

ومن الحسن أن نعرض ببعض الوصف والتمييز لمزاج الشاعر الذي تتعلق به هذه الفحولة الفنية، فجملة ما يقال فيه - بسياق هذه المقابلة - أنه كان يحتاج إلى البأس والسيف في معيشته وعشقه، فهو بدوي يعيش مع آله في طريق تحميها الدولة، وتكل حمايتها أحيانا إلى سكانها من أهل البادية؛ لأنها تتوسط بين الحجاز ومصر والشام، فمن واجبه - إن لم يكن من طبعه - أن يحمل السيف، ويعتز بالمنعة وصيانة الحوزة.

وهو إلى هذا عاشق مشغوف بامرأة واحدة لا تغنيه عنها امرأة غيرها، فلا بد له منها وإن حيل بينه وبينها ولا غنى له عن المجازفة والتقحم بالقوة في سبيلها.

ولم نسمع من أخبار عمر بن أبي ربيعة أنه احتاج إلى القوة مرة واحدة، بل علمنا من أخباره أكثر من مرة أنه تعرض لبعض الحسان وألحف عليهن بالتوسل والمطاردة، فرددنه حتى أعيتهن الحيلة معه، ثم ظهرن مع رجل من أوليائهن يتقلد السيف فتجاهلهن عمر، ومضى في طريقه، وقنع من الغنيمة بالذهاب. ثم تمثل المتمثلون:

تعدو الذئاب على من لا كلاب له

وتتقي مربض المستأسد الضاري

ولا جرم يكون هذا شأن عمر وشأن حبه؛ فقد كان من أهل حاضرة يعيش فيها الرجل حياته كلها ولا تلجئه ضرورة يوما إلى تقلد سلاح، وهو في معظم ما يرتاده من صويحباته طالب جلسة ومحادثة إن تيسرت فهي فكاهة ساعة ثم تنقضي إلى نسيان أو تسجلها قصيدة أو قصيدتان، وإن تعسرت فلا موضع للسيف في هذا الميدان، وغير هذه الحسناء كثيرات بين الحسان.

Неизвестная страница